فان قيل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؟ قيل لان الفرض الذي فرضه الله تعالى على الخلق هو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة توكيدا وتغليظا عليه.
فان قيل: فلم جعلت متتابعين؟ قيل لئلا يهون عليه الأداء فيستخف به لأنه إذا قضى متفرقا هان عليه القضاء واستخف بالايمان.
فان قيل: فلم أمر بالحج؟ قيل لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد، ثابتا عليه ذلك دايما، مع الخضوع والاستكانة والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه وترك قساوة القلب وخساسة الأنفس ونسيان الذكر و انقطاع الرجاء والأمل وتجديد الحقوق وحظر عن الفساد مع ما في ذلك من المنافع لجميع من في شرق الأرض وغربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب، وبايع، ومشتري، وكاسب، ومسكين، ومكار وفقير وقضاء حوايج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة عليهم السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله عز وجل: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وليشهدوا منافع لهم).
فان قيل: فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل لان الله تبارك وتعالى وضع الفرايض على أدنى القوم قوة كما قال الله عز وجل فما استيسر من الهدى يعنى شاة ليسع القوى والضعيف وكذلك سائر الفرايض إنما وضعت على أدنى القوم قوة فكان من تلك الفرايض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم.