فقد روي لنا عن حبيب بن مظاهر الأسدي بيض الله وجهه أنه قال للحسين ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام: أي شئ كنتم قبل ان يخلق الله عز وجل آدم عليه السلام؟ قال: كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمان فنعلم الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد، ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه وقد بيناه في غيره.
قال مفضلوا الملائكة: ان مدار الخلق روحانيا كان أو جسمانيا على الدنو من الله عز وجل والرفعة والعلو والزلفة والسمو، وقد وصف الله جلت عظمته الملائكة من ذلك بما لم يصف به غيرهم، ثم وصفهم بالطاعة التي عليها موضع الامر والزجر والثواب والعقاب فقال جل وعز: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ثم جعل محلهم الملكوت الاعلى فبراهينهم على توحيده أكثر وأدلتهم عليه أوفر، وإذا كان ذلك كذلك كان حظهم من الزلفة أجل، ومن المعرفة بالصانع أفضل، قالوا: ثم رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار كلها من الجنس الذي فضلتموه على من قال الله عز وجل في نعتهم لما نعتهم ووصفهم بالطاعة لما وصفهم:
(لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) قالوا كيف يجوز فضل جنس فيهم كل عيب ولهم كل ذنب على من لا عيب فيهم ولا ذنب منهم صغاير ولا كباير.
والجواب: ان مفضلي الأنبياء والحجج صلوات الله عليهم قالوا: إنا لا نفضل هاهنا الجنس على الجنس ولكنا فضلنا النوع على النوع من الجنس. كما أن الملائكة كلهم ليسوا كإبليس، وهاروت وماروت لم يكن البشر كلهم كفرعون الفراعنة وكشياطين الانس المرتكبين المحارم والمقدمين على المآثم. وأما قولكم في والزلفة والقربة: فإنكم ان أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فالله عز وجل أجل ومما توهمتموه أنزه وفي الأنبياء والحجج من هو أقرب إلى قربة بالصالحات والقربات الحسنات وبالنيات الطاهرات من كل خلق خلقهم، والقرب والبعد من الله عز وجل بالمسافة والمدى تشبيه له بخلقه وهو من ذلك نزيه، وأما قولهم في الذنوب والعيوب