الرفيع فما دونه يغذو ومنه لوقاية الحر والبرد يكسو وعليه أيام حياته ينشو وجعل الجماد له مركزا ومكديا فامتهنه له امتهانا، وجعل له مسرحا وأكنانا ومجامع وبلدانا ومصانع وأوطانا، وجعل له حزنا محتاجا إليه وسهلا محتاجا إليه وعلوا ينتفع بعلوه وسفلا ينتفع به وبمكاسبه برا وبحرا فالحيوان مستمتع فيستمتع بما جعل له فيه من وجوه المنفعة والزيادة والذبول عند الذبول ويتخذ المركز عند التجسم والتأليف من الجسم المؤلف تبارك الله رب العالمين، قالوا: ثم نظرنا فإذا الله عز وجل قد جعل المتخذ بالروح والنمو والجسم، أعلى وأرفع مما يتخذ بالنمو والجسم، والتأليف والتصريف، ثم جعل الحي الذي هو حي بالحياة التي هي غيره نوعين: ناطقا وأعجم ثم أبان الناطق من الأعجم بالنطق والبيان اللذين جعله ماله فجعله أعلى منه لفضيلة النطق والبيان، ثم جعل الناطق نوعين: حجة ومحجوجا، فجعل الحجة أعلى من المحجوج لأبانه الله عز وجل الحجة واختصاصه إياه بعلم علوي يخصه له دون المحجوجين فجعله معلما من جهته باختصاصه إياه وعلما بأمره إياه ان يعلم بان الله عز وجل معلم الحجة دون ان يكله إلى أحد من خلقه فهو متعال به، وبعضهم يتعالى على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من جهة الحجة، قالوا ثم رأينا أصل الشئ الذي هو آدم " ع " فوجدناه قد جعله على كل روحاني خلقه قبله وجسماني ذرأه وبراه منه فعلمه علما خصه به لم يعلمهم قبل ولا بعد، وفهمه فهما لم يفهمهم قبل ولا بعد ثم جعل ذلك العلم الذي علمه ميراثا فيه لإقامة الحجج من نسله على نسله، ثم جعل آدم عليه السلام لرفعه قدره وعلو أمره للملائكة الروحانيين قبله وأقامه لهم حجة فابتلاهم بالسجود إليه فجعل لا محالة من سجد له أعلا وأفضل ممن أسجدهم، لان من جعل بلوى وحجة أفضل ممن حجهم به ولان إسجاده جل وعز إياهم للخضوع ألزمهم الاتضاع منهم له والمأمورين بالاتضاع بالخضوع والخشوع والاستكانة دون من أمرهم بالخضوع له، ألا ترى إلى من أبى الائتمار لذلك الخضوع ولتلك الاستكانة فأبى واستكبر ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع كيف لعن وطرد عن
(٢١)