مالك عنه فإنه روى عنه أنه قال سألت أبا يوسف عن الكفء فقال الذي يملك المهر والنفقة فقلت وإن كان يملك المهر دون النفقة فقال لا يكون كفأ فقلت فان ملك النفقة دون المهر فقال يكون كفأ وإنما كان كذلك لان المرء يعد قادرا على المهر بقدرة أبيه عادة ولهذا لم يجز دفع الزكاة إلى ولد الغنى إذا كان صغيرا وإن كان فقيرا في نفسه لأنه يعد غنيا بمال أبيه ولا يعد قادرا على النفقة بغنى أبيه لان الأب يتحمل المهر الذي على ابنه ولا يتحمل نفقة زوجته عادة وقال بعضهم إذا كان الرجل ذا جاه كالسلطان والعالم فإنه يكون كفأ وإن كان لا يملك من المال الا قدر النفقة لما ذكرنا ان المهر تجرى فيه المسامحة بالتأخير إلى وقت اليسار والمال يغدو ويروح وحاجة المعيشة تندفع بالنفقة * (فصل) * ومنها الدين في قول أبي حنيفة وأبى يوسف حتى لو أن امرأة من بنات الصالحين إذا زوجت نفسها من فاسق كان للأولياء حق الاعتراض عندهما لان التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب والحرية والمال والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير وقال محمد لا تعتبر الكفاءة في الدين لان هذا من أمور الآخرة والكفاءة من أحكام الدنيا فلا يقدح فيها الفسق الا إذا كان شيئا فاحشا بأن كان الفاسق ممن يسخر منه ويضحك عليه ويصفع فإن كان ممن يهاب منه بأن كان أميرا قتالا يكون كفأ لان هذا الفسق لا يعد شينا في العادة فلا يقدح في الكفاءة وعن أبي يوسف ان الفاسق إذا كان معلنا لا يكون كفأ وإن كان مستترا يكون كفأ * (فصل) * وأما الحرفة فقد ذكر الكرخي ان الكفاءة في الحرف والصناعات معتبرة عند أبي يوسف فلا يكون الحائك كفأ للجوهري والصيرفي وذكر ان أبا حنيفة بنى الامر فيها على عادة العرب ان مواليهم يعملون هذه الاعمال لا يقصدون بها الحرف فلا يعيرون بها وأجاب أبو يوسف على عادة أهل البلاد انهم يتخذون ذلك حرفة فيعيرون بالدنئ من الصنائع فلا يكون بينهم خلاف في الحقيقة وكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي اعتبار الكفاءة في الحرفة ولم يذكر الخلاف فتثبت الكفاءة بين الحرفتين في جنس واحد كالبزاز مع البزاز والحائك مع الحائك وتثبت عند اختلاف جنس الحرف إذا كان يقارب بعضها بعضا كالبزاز مع الصائغ والصائغ مع العطار والحائك مع الحجام والحجام مع الدباغ ولا تثبت فيما لا مقاربة بينهما كالعطار مع البيطار والبزاز مع الخراز وذكر في بعض نسخ الجامع الصغير أن الكفاءة في الحرف معتبرة في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف غير معتبره الا أن تكون فاحشة كالحياكة والحجامة والدباغة ونحو ذلك لأنها ليست بأمر لازم واجب الوجود ألا ترى انه يقدر على تركها وهذا يشكل بالحياكة وأخواتها فإنه قادر على تركها ومع هذا يقدح في الكفاءة والله تعالى الموفق وأهل الكفر بعضهم أكفاء لبعض لان اعتبار الكفاءة لدفع النقيصة ولا نقيصة أعظم من الكفر * (فصل) * وأما بيان من تعتبر له الكفاءة فالكفاءة تعتبر للنساء لا للرجال على معنى انه تعتبر الكفاءة في جانب الرجال للنساء ولا تعتبر في جانب النساء للرجال لان النصوص وردت بالاعتبار في جانب الرجال خاصة وكذا المعنى الذي شرعت له الكفاءة يوجب اختصاص اعتبارها بجانبهم لأن المرأة هي التي تستنكف لا الرجل لأنه هي المستفرشة فاما الزوج فهو المستفرش فلا تلحقه الأنفة من قبلها ومن مشايخنا من قال إن الكفاءة في جانب النساء معتبرة أيضا عند أبي يوسف ومحمد استدلالا بمسألة ذكرها في الجامع الصغير في باب الوكالة وهي أن أميرا أمر رجلا ان يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره قال جاز عند أبي جنيفة وعندهما لا يجوز ولا دلالة في هذه المسألة على ما زعموا لأن عدم الجواز عندهما يحتمل أن يكون لمعنى آخر وهو ان من أصلهما أن التوكيل المطلق يتقيد بالعرف والعادة فينصرف إلى المتعارف كما في الوكيل بالبيع المطلق ومن أصل أبي حنيفة انه يجرى على اطلاقه في غير موضع الضرورة والتهمة ويحتمل أن يكون عدم الجواز عندهما لاعتبار الكفاءة في تلك المسألة خاصة حملا للمطلق على المتعارف كما هو أصلهما إذ المتعارف هو التزويج بالكفء فاستحسنا اعتبار الكفاءة في جانبهن في مثل تلك الصورة لمكان العرف والعادة وقد نص محمد رحمه الله على القياس والاستحسان في تلك المسألة في وكالة الأصل فلم تكن هذه المسألة دليلا
(٣٢٠)