* (فصل) * وأما النوع الثاني فالمحرمات بالمصاهرة أربع فرق الفرقة الأولى أم الزوجة وجداتها من قبل أبيها وأمها وان علون فيحرم على الرجل أم زوجته بنص الكتاب العزيز وهو قوله عز وجل وأمهات نسائكم معطوفا على قوله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم سواء كان دخل بزوجته أو كان لم يدخل بها عند عامة العلماء وقال مالك وداود الأصفهاني ومحمد بن شجاع البلخي وبشر المريسي أن أم الزوجة لا تحرم على الزوج بنفس العقد ما لم يدخل ببنتها حتى أن من تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها أو ماتت لا يجوز له ان يتزوج أمها عند عامة العلماء وعندهم يجوز والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روى عن عمر وعلى وابن عباس وزيد بن ثابت وعمران بن حصين رضي الله عنهم مثل قول العامة وروى عن عبد الله بن مسعود وجابر رضي الله عنهما مثل قولهم وهو احدى الروايتين عن علي وزيد بن ثابت وعن زيد بن ثابت انه فصل بين الطلاق والموت قال في الطلاق مثل قولهما وفى الموت مثل قول العامة وجعل الموت كالدخول لأنه بمنزلة الدخول في حق المهر وكذا في حق التحريم احتجوا بقوله تعالى وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ذكر أمهات النساء وعطف ربائب النساء عليهن في التحريم بحرف العطف ثم عقب الجملتين بشرط الدخول والأصل ان الشرط المذكور والاستثناء بمشيئة الله تعالى عقيب جمل معطوف بعضها على بعض بحرف العطف كل جملة مبتدأ وخبره ينصرف إلى الكل لا إلى ما يليه خاصة كمن قال عبده حر وامرأته طالق وعليه حج بيت الله تعالى ان فعل كذا أو قال إن شاء الله تعالى فهذا كذلك فينصرف شرط الدخول إلى الجملتين جميعا فلا تثبت الحرمة بدونه ولنا قوله تعالى وأمهات نسائكم كلام تام بنفسه منفصل عن المذكور بعده لأنه مبتدأ وخبر إذ هو معطوف على ما تقدم ذكره من قوله حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى قوله عز وجل وأمهات نسائكم والمعطوف يشارك المعطوف عليه في خبره ويكون خبر الأول خبرا للثاني كقوله جاءني زيد وعمرو معناه جاءني عمرو فكان معنى قوله تعالى وأمهات نسائكم أي وحرمت عليكم أمهات نسائكم وانه مطلق عن شرط الدخول فمن ادعى أن الدخول المذكور في آخر الكلمات منصرف إلى الكل فعليه الدليل وروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا نكح الرجل امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فله أن يتزوج ابنتها وليس له أن يتزوج الام وهذا نص في المسئلتين وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده فلا بأس أن يتزوج بنتها وأيما رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده فلا يحل له أن يتزوج أمها وهذا نص في المسئلتين وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآية الكريمة أبهموا ما أبهم الله تعالى أي أطلقوا ما أطلق الله تعالى وكذا روى عن عمران ابن حصين أنه قال الآية مبهمة أي مطلقة لا يفصل بين الدخول وعدمه وما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه فقد روى الرجوع عنه فإنه روى أنه أفتى بذلك في الكوفة فلما أتى المدينة ولقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاكرهم رجع إلى القول بالحرمة حتى روى أنه لما أتى الكوفة نهى من كان أفتاه بذلك فقيل إنها ولدت أولادا فقال إنها وان ولدت ولان هذا النكاح يفضى إلى قطع الرحم لأنه إذا طلق بنتها وتزوج بأمها حملها ذلك على الضغينة التي هي سبب القطيعة فيما بينهما وقطع الرحم حرام فما أفضى إليه يكون حراما لهذا المعنى حرم الجمع بين المرأة وبنتها وبين المرأة وأمها وبين عمتها وخالتها على ما نذكر إن شاء الله تعالى بخلاف جانب الام حيث لا تحرم بنتها بنفس العقد على الام لان إباحة النكاح هناك لا تؤدى إلى القطع لان الام في ظاهر العادات تؤثر بنتها على نفسها في الحظوظ والحقوق والبنت لا تؤثر أمها على نفسها معلوم ذلك بالعادة وإذا جاء الدخول تثبت الحرمة لأنه تأكدت مودتها لاستيفائها حظها فتلحقها الغضاضة فيؤدى إلى القطع ولان الحرمة
(٢٥٨)