اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن حرم لربائب المضافة إلى نسائنا المدخولات وإنما تكون المرأة مضافة الينا بالنكاح فكان الدخول بالنكاح شرط ثبوت الحرمة وهذا دخول بلا نكاح فلا تثبت به الحرمة ولا تثبت بالنظر أيضا لأنه ليس بمعنى الدخول ألا ترى أنه لا يفسد به الصوم ولا يجب به شئ في الاحرام وكذلك اللمس في قول وفى قول يثبت لأنه استمتاع بها من وجه فكان بمعنى الوطئ ولهذا حرم بسبب الاحرام كما حرم الوطئ وروى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما أينكح ابنتها أو يتبع البنت حراما أينكح أمها فقال لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان نكاحا حلالا والتحريم بالزنا تحريم الحرام لحلال ولنا قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء والنكاح يستعمل في العقد والوطئ فلا يخلو اما أن يكون حقيقة لهما على الاشتراك واما أن يكون حقيقة لأحدهما مجازا للاخر وكيف ما كان يجب القول بتحريمهما جميعا إذ لا تنافى بينهما كأنه قال عز وجل ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء عقدا ووطأ وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا ابنتها وروى حرمت عليه أمها وابنتها وهذا نص في الباب لأنه ليس فيه ذكر النكاح وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ولو لم يكن النظر الأول محرما للثاني وهو النظر إلى فرج ابنتها لم يلحقه اللعن لان النظر إلى فرج المرأة المنكوحة نكاحا صحيحا مباحا فكيف يستحق اللعن فإذا ثبتت الحرمة بالنظر فبالدخول أولى وكذا باللمس لان النظر دون اللمس في تعلق الأحكام بهما ألا ترى انه يفسد الصوم بالانزال عن المس ولا يفسد بالانزال عن النظر إلى الفرج وفى الحج يلزمه بالمس عن شهوة الدم أنزل أو لم ينزل ولا يلزمه شئ بالنظر إلى الفرج عن شهوة أنزل أو لم ينزل فلما ثبتت الحرمة بالنظر فبالمس أولى ولان الحرمة إنما تثبت بالنكاح لكونه سببا داعيا إلى الجماع إقامة للسبب مقام المسبب في موضع الاحتياط كما أقيم النوم المفضى إلى الحدث مقام الحدث في انتقاض الطهارة احتياطا لأمر الصلاة والقبلة والمباشرة في التسبب والدعوة أبلغ من النكاح فكان أولى باثبات الحرمة ولان الوطئ الحلال إنما كان محرما للبنت بمعنى هو موجود هنا وهو انه يصير جامعا بين المرأة وبنتها في الوطئ من حيث المعنى لان وطئ إحداهما يذكره وطئ الأخرى فيصير كأنه قاض وطره منهما جميعا ويجوز أن يكون هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها وهذا المعنى موجود في الوطئ الحرام وأما الآية الكريمة فلا حجة له فيها بل هي حجة عليه لأنها تقتضي حرمة ربيبته التي هي بنت امرأته التي دخل بها مطلقا سواء دخل بها بعد النكاح أو قبله بالزنا واسم الدخول يقع على الحلال والحرام أو يحتمل أن يكون المراد الدخول بعد النكاح ويحتمل أن يكون قبله فكان الاحتياط هو القول بالحرمة وإذا احتمل هذا واحتمل هذا فلا يصح الاحتجاج به مع الاحتمال على أن في هذه الآية اثبات الحرمة بالدخول في النكاح وهذا ينفى الحرمة بالدخول بلا نكاح فكان هذا احتجاجا بالمسكوت عنه وانه لا يصح على أن في هذه الآية حجتنا على اثبات الحرمة بالمس لأنه ذكر الدخول بهن وحقيقة الدخول بالشئ عبارة عن ادخاله في العورة إلى الحصن فكان الدخول بها هو ادخالها في الحصن وذلك بأخذ يدها أو شئ منها ليكون هو الداخل بها فأما بدون ذلك فالمرأة هي الداخلة بنفسها فدل أن المس موجب للحرمة أو يحتمل الوطئ ويحتمل المس فيجب القول بالحرمة احتياطا وأما الحديث فقد قيل إنه ضعيف ثم هو خبر واحد مخالف للكتاب ولئن ثبت فنقول بموجبه لان المذكور فيه هو الاتباع لا الوطئ واتباعها أن يراودها عن نفسها وذا لا يحرم عندنا إذ المحرم هو الوطئ ولا ذكر له في الحديث والله عز وجل الموفق (وأما) النوع الثالث وهو المحرمات بالرضاعة فموضع بيانها كتاب الرضاع فكل من حرم لقرابة من الفرق السبع الذين وصفهم الله تعالى يحرم بالرضاعة الا أن الله تعالى بين
(٢٦١)