صنف منهم يسمون أهل الآفاق وهم الذين منازلهم خارج المواقيت التي وقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي خمسة كذا روى في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن ولأهل اليمن يلملم ولأهل العراق ذات عرق وقال صلى الله عليه وسلم هن لأهلهن ولمن مر بهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة وصنف منهم يسمون أهل الحل وهم الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة خارج الحرم كاهل بستان بنى عامر وغيرهم وصنف منهم أهل الحرم وهم أهل مكة اما الصنف الأول فميقاتهم ما وقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لاحد منهم أن يجاوز ميقاته إذا أراد الحج أو العمرة الا محرما لأنه لما وقت لهم ذلك فلا بد وأن يكون الوقت مقيدا وذلك اما المنع من تقديم الاحرام عليه واما المنع من تأخيره عنه والأول ليس بمراد لاجماعنا على جواز تقديم الاحرام عليه فتعين الثاني وهو المنع من تأخير الاحرام عنه وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا سأله وقال إني أحرمت بعد الميقات فقال له ارجع إلى الميقات فلب والا فلا حج لك فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يجاوز أحد الميقات الا محرما وكذلك لو أراد بمجاوزة هذه المواقيت دخول مكة لا يجوز له ان يجاوزها الا محرما سواء أراد بدخول مكة النسك من الحج أو العمرة أو التجارة أو حاجة أخرى عندنا وقال الشافعي ان دخلها للنسك وجب عليه الاحرام وان دخلها لحاجة جاز دخوله من غير احرام وجه قوله إنه تجوز السكنى بمكة من غير احرام فالدخول أولي لأنه دون السكنى ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا ان مكة حرام منذ خلقها الله تعالى لم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة الحديث والاستدلال به من ثلاثة أوجه أحدها بقوله صلى الله عليه وسلم ألا ان مكة حرام والثاني بقوله لا تحل لاحد بعدي والثالث بقوله ثم عادت حراما إلى يوم القيامة مطلقا من غير فصل وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل دخول مكة بغير احرام ولأن هذه بقعة شريفة لها قدر وخطر عند الله تعالى فالدخول فيها يقتضى التزام عبادة اظهارا لشرفها على سائر البقاع وأهل مكة بسكناهم فيها جعلوا معظمين لها بقيامهم بعمارتها وسدانتها وحفظها وحمايتها لذلك أبيح لهم السكنى وكلما قدم الاحرام على المواقيت هو أفضل وروى عن أبي حنيفة ان ذلك أفضل إذا كان يملك نفسه ان يمنعها ما يمنع منه الاحرام وقال الشافعي الاحرام من الميقات أفضل بناء على أصله ان الاحرام ركن فيكون من أفعال الحج ولو كان كما زعم لما جاز تقديمه على الميقات لان أفعال الحج لا يجوز تقديمها على أوقاتها وتقديم الاحرام على الميقات جائز بالاجماع إذا كان في أشهر الحج والخلاف في الأفضلية دون الجواز ولنا قوله تعالي وأتموا الحج والعمرة لله وروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك وروى عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة هذا إذا قصد مكة من هذه المواقيت فأما إذا قصدها من طريق غير مسلوك فإنه يحرم إذا بلغ موضعا يحاذي ميقاتا من هذه المواقيت لأنه إذا حاذى ذلك الموضع ميقاتا من المواقيت صار في حكم الذي يحاذيه في القرب من مكة ولو كان في البحر فصار في موضع لو كان مكان البحر بر لم يكن له ان يجاوزه الا باحرام فإنه يحرم كذا قال أبو يوسف ولو حصل في شئ من هذه المواقيت من ليس من أهلها فأراد الحج أو العمرة أو دخول مكة فحكمه حكم أهل ذلك الميقات الذي حصل فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم هن لأهلهن ولمن مر بهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من وقتنا له وقتا فهو له ولمن مر به من غير أهله ممن أراد الحج أو العمرة ولأنه إذا مر به صار من أهله فكان حكمه في المجاوزة حكمهم ولو جاوز ميقاتا من هذه المواقيت من غير احرام إلى ميقات آخر جاز له لان الميقات الذي صار إليه صار ميقاتا له لما روينا من الحديثين الا أن المستحب أن يحرم من الميقات الأول هكذا روى عن أبي حنيفة أنه قال في غير أهل المدينة إذا مروا على المدينة
(١٦٤)