فلا حاجة إلى تعيين النية كما لو صام رمضان بمطلق النية انه يقع عن رمضان لكون الوقت متعينا لصومه كذا هذا وكذا لو نوى تطوعا يقع عن طواف الزيارة كما لو صام رمضان بنية التطوع وكذلك كل طواف واجب أو سنة يقع في وقته من طواف اللقاء وطواف الصدر فإنما يقع عما يستحقه الوقت وهو الذي انعقد عليه الاحرام دون غيره سواء عين ذلك بالنية أو لم يعين فيقع عن الأول وان نوى الثاني لا يعمل بنيته في تقديمه على الأول حتى أن المحرم إذا قدم مكة وطاف لا يعين شيئا أو نوى التطوع فإن كان محرما بعمرة يقع طوافه للعمرة وإن كان محرما بحجة يقع طوافه للقدوم لان عقد الاحرام انعقد عليه وكذلك القارن إذا طاف لا يعين شيئا أو نوى التطوع كان ذلك للعمرة فان طاف طوافا آخر قبل أن يسعى لا يعين شيئا أو نوى تطوعا كان ذلك للحج والله أعلم فاما الطهارة عن الحدث والجنابة والحيض والنفاس فليست بشرط لجواز الطواف وليست بفرض عندنا بل واجبة حتى يجوز الطواف بدونها وعند الشافعي فرض لا يصح الطواف بدونها واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الطواف صلاة الا أن الله تعالى أباح فيه الكلام وإذا كان صلاة فالصلاة لا جواز لها بدون الطهارة ولنا قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق أمر بالطواف مطلقا عن شرط الطهارة ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد فيحمل على التشبيه كما في قوله تعالى وأزواجه أمهاتهم أي كأمهاتهم ومعناه الطواف كالصلاة اما في الثواب أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة لان كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه عملا بالكتاب والسنة أو نقول الطواف يشبه الصلاة وليس بصلاة حقيقة فمن حيث إنه ليس بصلاة حقيقة لا تفترض له الطهارة ومن حيث إنه يشبه الصلاة تجب له الطهارة عملا بالدليلين بالقدر الممكن وإن كانت الطهارة من واجبات الطواف فإذا طاف من غير طهارة فما دام بمكة تجب عليه الإعادة لان الإعادة جبر له بجنسه وجبر الشئ بجنسه أولى لان معنى الجبر وهو التلافي فيه أتم ثم إن أعاد في أيام النحر فلا شئ عليه وان أخره عنها فعليه دم في قول أبي حنيفة والمسألة تأتى إن شاء الله تعالى في موضعها وان لم يعد ورجع إلى أهله فعليه الدم غير أنه إن كان محدثا فعليه شاة وإن كان جنبا فعليه بدنة لان الحدث يوجب نقصانا يسيرا فتكفيه الشاة لجبره كما لو ترك شوطا فاما الجنابة فإنها توجب نقصانا متفاحشا لأنها أكبر الحدثين فيجب لها أعظم الجابرين وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال البدنة تجب في الحج في موضعين أحدهما إذا طاف جنبا والثاني إذا جامع بعد الوقوف وإذا لم تكن الطهارة من شرائط الجواز فإذا طاف وهو محدث أو جنب وقع موقعه حتى لو جامع بعده لا يلزمه شئ لان الوطئ لم يصادف الاحرام لحصول التحلل بالطواف هذا إذا طاف بعد أن حلق أو قصر ثم جامع فاما إذا طاف ولم يكن حلق ولا قصر ثم جامع فعليه دم لأنه إذا لم يحلق ولم يقصر فالاحرام باق والوطئ إذا صادف الاحرام يوجب الكفارة الا انه يلزمه الشاة لا البدنة لان الركن صار مؤدى فارتفعت الحرمة المطلقة فلم يبق الوطئ جنابة محضة بل خف معنى الجنابة فيه فيكفيه أخف الجابرين فاما الطهارة عن النجس فليست من شرائط الجواز بالاجماع فلا يفترض تحصيلها ولا تجب أيضا لكنه سنة حتى لو طاف وعلى ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم جاز ولا يلزمه شئ الا انه يكره واما ستر العورة فهو مثل الطهارة عن الحدث والجنابة أي انه ليس بشرط الجواز وليس بفرض لكنه واجب عندنا حتى لو طاف عريانا فعليه الإعادة ما دام بمكة فان رجع إلى أهله فعليه الدم وعند الشافعي شرط الجواز كالطهارة عن الحدث والجنابة وحجته ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الطواف صلاة الا ان الله أباح فيه الكلام وستر العورة من شرائط جواز الصلاة وحجتنا قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق أمر بالطواف مطلقا عن شرط الستر فيجرى على اطلاقه والجواب عن تعلقه بالحديث على نحو ما ذكرنا في الطهارة والفرق بين ستر العورة وبين الطهارة عن النجاسة ان المنع من الطواف مع الثوب النجس ليس لأجل الطواف بل لأجل المسجد وهو صيانته عن ادخال النجاسة فيه وصيانته عن تلويثه فلا يوجب ذلك نقصانا في الطواف فلا حاجة إلى الجبر فاما المنع من الطواف عريانا فلأجل الطواف لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الطواف عريانا بقوله صلى الله عليه وسلم الا لا يطوفن بعد
(١٢٩)