كانوا يمشون امام الجنازة وهذا حكاية عادة وكانت عادتهم اختيار الأفضل ولأنهم شفعاء الميت والشفيع أبدا يتقدم لأنه أحوط للصلاة لما فيه من التحرز عن احتمال الفوت ولنا ما روى عن ابن مسعود موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس معها من تقدمها وروى عنه انه عليه السلام كان يمشى خلف جنازة سعد بن معاذ وروى معمر عن طاوس عن أبيه قال ما مشى رسول الله حتى مات الا خلف الجنازة وعن ابن مسعود فضل المشي خلف الجنازة على المشي امامها كفضل المكتوبة على النافلة ولان المشي خلفها أقرب إلى الاتعاظ لأنه يعاين الجنازة فيتعظ فكان أفضل والمروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وتسهيل الامر على الناس عند الازدحام وهو تأويل فعل أبى بكر وعمر والدليل عليه ما روى عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه قال بينا أنا أمشى مع علي خلف الجنازة وأبو بكر وعمر يمشيان امامها فقلت لعلى ما بال أبى بكر وعمر يمشيان امام الجنازة فقال إنهما يعلمان ان المشي خلفها أفضل من المشي امامها الا انهما يسهلان على الناس ومعناه أن الناس يتحرزون عن المشي امامها تعظيما لها فلو اختار المشي خلف الجنازة لضاق الطريق على مشيعيها وأما قوله إن الناس شفعاء الميت فينبغي أن يتقدموا فيشكل هذا بحالة الصلاة فان حالة الصلاة الشفاعة ومع ذلك لا يتقدمون الميت بل الميت قدامهم وقوله هذا أحوط للصلاة قلنا عندنا إنما يكون المشي خلفها أفضل إذا كان بقرب منها بحيث يشاهدها وفى مثل هذا لا تفوت الصلاة ولو مشى قدامها كان واسعا لان النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما فعلوا ذلك في الجملة على ما ذكرنا غير أنه يكره أن يتقدم الكل عليها لان فيه ابطال متبوعية الجنازة من كل وجه ولا بأس بالركوب إلى صلاة الجنازة والمشي أفضل لأنه أقرب إلى الخشوع وأليق بالشفاعة ويكره للراكب أن يتقدم الجنازة لان ذلك لا يخلو عن الضرر بالناس ولا تتبع الجنازة بنار إلى قبره يعنى الاجمار في قبره لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها وطردها حتى توارت بالاكام وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لا تحملوا معي مجمرا ولأنها آلة العذاب فلا تتبع معه تفاؤلا قال إبراهيم النخعي أكره أن يكون آخر زاده من الدنيا نارا ولان هذا فعل أهل الكتاب فيكره التشبه بهم ولا ينبغي أن يرجع من يتبع الجنازة حتى يصلى لان الاتباع كان للصلاة عليها فلا يرجع قبل حصول المقصود ولا ينبغي للنساء أن يخرجن في الجنازة لان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن عن ذلك وقال انصرفن مأزورات غير مأجورات ولا ينبغي لاحد أن يقوم للجنازة إذا أتى بها بين يديه الا أن يريد اتباعها ويكره النوح والصياح في الجنازة ومنزل الميت لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الصوتين الأحمقين صوت النائحة والمغنية فاما البكاء فلا بأس به لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه بكى على ابنه إبراهيم وقال العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما يسخط الرب وانا عليك يا إبراهيم لمحزونون وإذا كان مع الجنازة نائحة أو صائحة زجرت فإن لم تنزجر فلا بأس بان يتبع الجنازة معها ولا يمتنع لأجلها لان اتباع الجنازة سنة فلا يترك ببدعة من غيره ويطيل الصمت إذا اتبع الجنازة ويكره رفع الصوت بالذكر لما روى عن قيس بن عبادة أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاثة عند القتال وعند الجنازة والذكر ولأنه تشبه بأهل الكتاب فكان مكروها ويكره لمتبعي الجنازة أن يقعدوا قبل وضع الجنازة لأنهم أتباع الجنازة والتبع لا يقعد قبل قعود الأصل ولأنهم إنما حضروا تعظيما للميت وليس من التعظيم الجلوس قبل الوضع فاما بعد الوضع فلا بأس بذلك لما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد وكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي هكذا نفعل بموتانا فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه خالفوهم وأما كيفية الوضع فنقول إنها توضع عرضا للقبلة هكذا توارثه الناس والله أعلم ثم إذا وضعت الجنازة يصلى عليها * (فصل) * والكلام في صلاة الجنازة في مواضع في بيان انها فريضة وفي بيان كيفية فريضتها وفي بيان من يصلى عليه وفي بيان كيفية الصلاة وفي بيان ما تصح به الصلاة وما يفسدها وما يكره وفي بيان من له ولاية الصلاة أما
(٣١٠)