والأصل مقدم على الفرع فخرج بقولنا: وليس فرعا لغيره المعتق ذكرا كان أو أنثى، فإنه وإن أدلى إلى الميت بنفسه يحجب لأنه فرع لغيره وهو النسب، وهذا أولى من قول بعضهم وضابط من لا يدخل عليه الحجب بالشخص حجب حرمان كل من أدلى إلى الميت بنفسه إلا المعتق والمعتقة. القول في الحجب بالوصف ثم شرع في الحجب بالوصف بقوله: (ومن) أي الذي (لا يرث بحال) أي مطلقا سبعة بل أكثر كما ستعرفه الأول:
(العبد) قال ابن حزم وهو يشمل الذكر والأنثى. وقال في المحكم: العبد وهو المملوك ذكرا كان أو أنثى.
(و) الثاني: الرقيق (المدبر و) الثالث: (أم الولد و) الرابع: الرقيق (المكاتب) لنقصهم بالرق. وكان الاخصر للمصنف أن يقول أربعة بدل سبعة، ويعبر عن هؤلاء بالرق إلى آخر كلامه.
تنبيه: إطلاقه مشعر بأنه لا فرق بين كامل الرق وغيره، وهو كذلك إذ الصحيح أن المبعض لا يرث بقدر ما فيه من الحرية لأنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية فلم يرث كالقن ولا يورث الرقيق كله، وأما المبعض فيورث عنه ما ملكه ببعضه الحر لأنه تام الملك عليه فيرثه عنه قريبه الحر أو معتق بعضه وزوجته، ولا شئ لسيده لاستيفائه حقه مما اكتسبه بالرقية. واستثنى من كون الرقيق لا يورث كافر له أمان وجبت له جناية حال حريته وأمانه، ثم نقض الأمان فسبي واسترق وحصل الموت بالسراية في حال رقه، فإن قدر الأرش من قيمته لورثته على الأصح قال الزركشي وليس لنا رقيق كله يورث إلا هذا. (و) الخامس (القاتل) فلا يرث القاتل من مقتوله مطلقا لخبر الترمذي وغيره: ليس للقاتل شئ أي من الميراث، ولأنه لو ورث لم يؤمن إذ يستعجل بالقتل فاقتضت المصلحة حرمانه، ولان القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث. وسواء أكان القتل عمدا أم غيره، مضمونا أم لا، بمباشرة أم لا قصد مصلحته كضرب الأب أو الزوج أو المعلم أم لا مكرها أم لا فكل ذلك تناوله إطلاقه (و) السادس (المرتد) ونحوه كيهودي تنصر فلا يرث أحدا إذ ليس بينه وبين أحد موالاة في الدين لأنه ترك دينا كان يقر عليه، ولا يقر على دينه الذي انتقل إليه وظاهر كلامهم أنه لا يرث ولو عاد بعده للاسلام بعد موت مورثه وهو كذلك كما حكى الاجماع عليه الأستاذ أبو منصور البغدادي، وما وقع لابن الرفعة في المطلب من تقييده بما إذا مات مرتدا، وأنه إذا أسلم تبين إرثه غلطه في ذلك صاحبه السبكي في الابتهاج.
وقال إنه فيه خارق للاجماع.
تنبيه: تناول إطلاق المصنف المعلن وغيره وهو كذلك، وكما لا يرث المرتد لا يورث لما مر لكن لو قطع شخص طرف مسلم فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من كان وارثه لولا الردة، ومثله حد القذف. (و) السابع (أهل ملتين) مختلفتين كملتي الاسلام والكفر، فلا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم لانقطاع الموالاة بينهما. وانعقد الاجماع على أن الكافر لا يرث المسلم، واختلفوا في توريث المسلم منه، فالجمهور على المنع. فإن قيل: يرد على ما ذكر ما لو مات كافر عن زوجة كافرة حامل ووقف الميراث فأسلمت ثم ولدت فإن الولد يرث منه مع حكمنا بإسلامه بإسلام أمه. أجيب بأنه كان محكوما بكفره يوم موت أبيه وقد ورث مذ كان حملا ولهذا قال الكتاني من محققي المتأخرين: إن لنا جمادا يملك وهو النطفة، واستحسنه السبكي. قال الدميري: وفيه نظر إذ الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا.
يعني ولا أصل حيوان. وخرج بملتي الاسلام والكفر ملتا الكفر إذا كان لهما عهد فيتوارثان كيهودي من نصراني، ونصراني من مجوسي، ومجوسي من وثني وبالعكس لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة قال تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) *. فإن قيل: كيف يتصور إرث اليهودي من النصراني وعكسه فإن الأصح أن من انتقل من ملة إلى ملة لا يقر؟ أجيب بتصور ذلك في الولاء والنكاح وفي النسب أيضا فيما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا، أما بنكاح أو وطئ شبهة فإنه يتخير بعد بلوغه كما قاله الرافعي قبيل نكاح المشرك حتى لو كان له ولدان واختار أحدهما اليهودية