ولي القصاص للجاني طلق زوجتك وإلا اقتصصت منك لم يكن إكراها. ويحصل الاكراه بتخويف بضرب شديد أو حبس طويل أو إتلاف مال أو نحو ذلك مما يؤثر العاقل لأجله الاقدام على ما أكره عليه. ويختلف الاكراه باختلاف الاشخاص والأسباب المكره عليها فقد، يكون الشئ إكراها في شخص دون آخر وفي سبب دون آخر، فالاكراه بإتلاف مال لا يضيق على المكره بفتح الراء كخمسة دراهم في حق الموسر ليس بإكراه على الطلاق لأن الانسان يتحمله ولا يطلق بخلاف المال الذي يضيق عليه، والحبس في الوجيه إكراه وإن قل كما قاله الأذرعي، والضرب اليسير في أهل المروءات إكراه. وخرج بقيد طلاق زوجته فيما تقدم ما إذا أكرهه على طلاق زوجة نفسه بأن قال له طلق زوجتي وإلا قتلتك فطلقها وقع على الصحيح لأنه أبلغ في الاذن كما قاله في الروضة.
تتمة: لو قال لزوجته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها طلقة أو أكثر وقع المنجز فقط ولا يقع معه المعلق لزيادته على المملوك، وقيل: لا يقع شئ لأنه لو وقع المنجز لوقع المعلق قبله بحكم التعليق، ولو وقع المعلق لم يقع المنجز، وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق، وهذه المسألة تسمى السريجية منسوبة لابن سريج وجرى عليها كثير من الأصحاب، والأول هو ما صححه الشيخان وهو المعتمد.
وقال الشيخ عز الدين: لا يجوز التقليد في عدم الوقوع، وقال ابن الصباغ: وددت لو محيت هذه المسألة وابن سريج برئ مما نسب إليه فيها. ولو علق الطلاق بمستحيل عرفا كصعود السماء والطيران أو عقلا كالجمع بين الضدين أو شرعا كنسخ صوم رمضان لم تطلق لأنه لم ينجز الطلاق، وإنما علقه على صفة لم توجد. واليمين فيما ذكر منعقدة حتى يحنث بها المعلق على الحلف. ولو قال لزوجته إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمت حائطا مثلا وهو يسمع لم يحنث في أصح الوجهين لأنها لم تكلمه. ولو قال لها إن كلمت رجلا فأنت طالق فكلمت أباها أو أحدا من محارمها طلقت لوجود الصفة، فإن قال: قصدت منعها من مكالمة الأجانب قبل منه لأنه الظاهر. وفروع الطلاق لا تنحصر، وفي هذا القدر كفاية لمن وفقه الله لهذا المختصر الذي عم نفعه في الوجود ونفع الله تعالى به ورحم مؤلفه وشارحيه. آمين.
فصل: في الرجعة بفتح الراء أفصح من كسرها عند الجوهري والكسر أكثر عند الأزهري.
وهي لغة: المرة من الرجوع، وشرعا: رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة على وجه مخصوص كما يؤخذ مما سيأتي. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا إصلاحا) * أي رجعة كما قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وقوله (ص): أتاني جبريل فقال راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة. أركان الرجعة أركانها ثلاثة: محل وصيغة ومرتجع. وأما الطلاق فهو سبب لا ركن، وبدأ المصنف بشروط الركن الأول وهو محل بقوله: (وشروط) صحة (الرجعة أربعة) وترك خامسا وسادسا كما ستعرفه: الأول (أن يكون الطلاق دون الثلاث) في الحر ودون اثنين في الرقيق،