وإن حضر الآبق لأنه لم يرده بخلاف ما لو اكترى من يحج عنه، فأتى ببعض الأعمال ومات، حينئذ يستحق من الأجرة بقدر ما عمل. وفرقوا بينهما بأن المقصود من الحج الثواب، وقد حصل ببعض العمل وهنا لم يحصل شئ من المقصود، وإذا رد الآبق على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل لأن الاستحقاق بالتسليم، ولا حبس قبل الاستحقاق وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك، ويصدق المالك بيمينه إذا أنكر شرط الجعل للعامل بأن اختلفا فيه فقال العامل: شرطت لي جعلا، وأنكر المالك. أو أنكر سعي العامل في رد الآبق بأن قال: لم ترده، وإنما رجع بنفسه لأن الأصل عدم الشرط والرد، فإن اختلف الملتزم من مالك أو غيره والعامل في قدر الجعل بعد فراغ العمل تحالفا وفسخ العقد، ووجب للعامل أجرة المثل كما لو اختلفا في الإجارة.
فصل: في المزارعة والمخابرة وكراء الأرض فالمزارعة تسليم الأرض لرجل ليزرعها ببعض ما يخرج منها والبذر من المالك. والمخابرة كالمزارعة لكن البذر من العامل. وكراء الأرض سيأتي. فلو كان بين الشجر نخلا كان أو عنبا أرض لا زرع فيها صحت الزراعة عليها مع المساقاة على الشجر تبعا للحاجة إلى ذلك، إن اتحد عقد وعامل بأن يكون عامل المزارعة هو عامل المساقاة وعسر إفراد الشجر بالسقي وقدمت المساقاة على المزارعة لتحصيل التبعية، وأن تفاوت الجزءان المشروطان من الثمر والزرع وخرج بالمزارعة المخابرة فلا تصح تبعا للمساقاة لعدم ورودها كذلك (وإذا) أفردت المزارعة أو المخابرة بأن (دفع) مطلق التصرف (إلى رجل أرضا) أي مكنه منها (ليزرعها) وكان البذر من المالك (وشرط له) أي للعامل (جزءا) كثيرا كان أو قليلا (معلوما) كالثلث (من زرعها) وهو المسمى بالمزارعة أو كان البذر من العامل وشرط للمالك ما مر وهو المسمى بالمخابرة (لم يجز) في الصورتين للنهي عن الأولى في مسلم وعن الثانية في الصحيحين، والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل فيها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشجر فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه، فجوزت المساقاة للحاجة والمغل في المخابرة للعامل لأن الزرع يتبع البذر وعليه للمالك أجرة مثل الأرض، وفي المزارعة للمالك لأنه نماء ملكه وعليه للعامل أجرة مثل عمله وعمل دوابه وعمل ما يتعلق به من آلاته، سواء أحصل من الزرع شئ أم لا أخذا من نظيره في القراض، وذلك لأنه لم يرض ببطلان منفعته إلا ليحصل له بعد الزرع، فإذا لم يحصل له وانصرف كل المنفعة للمالك استحق الأجرة. وطريق جعل الغلة لهما في صورة إفراد الأرض بالمزارعة، أن يستأجر المالك العامل بنصف البذر شائعا ليزرع له النصف الآخر في الأرض، ويعيره نصف الأرض شائعا أو يستأجر العامل بنصف البذر شائعا ونصف منفعة الأرض كذلك ليزرع له النصف الآخر من البذر في النصف الآخر من الأرض، فيكونان شريكين في الزرع على المناصفة ولا أجرة لأحدهما على الآخر لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع، والمالك من منفعته بقدر نصيبه من الزرع، وطريق جعل الغلة لهما في المخابرة ولا أجرة أن يستأجر العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع دوابه وآلاته، أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع. ولا بد في هذه الإجارة من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة.