فحلف حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه، وإن اعترف بها وسلمها ضمنها لأنه فدى زوجته أو رقيقه بها، ولو أعلم اللصوص بمكانها فضاعت بذلك ضمن لمنافاة ذلك للحفظ لا إن أعلمهم بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك. القول في ضمان الوديعة (وإذا طولب) أي طالب المالك أو وارثه الوديع أو وارثه (بها) أي بردها (لم يخرجها) أي لم يردها عليه (مع القدرة عليها) وقت طلبها (حتى تلفت ضمنها) ببدلها من مثل إن كانت مثلية، أو قيمة إن كانت متقومة لتركه الواجب عليه، فإن الله تعالى قال: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * وليس المراد برد الوديعة حملها إلى مالكها، بل يحصل بأن يخلي بينه وبينها فقط وليس له أن يلزم المالك الاشهاد وإن كان أشهد عليه عند الدفع فإنه يصدق في الدفع بيمينه بخلاف ما لو طلبها وكيل المودع لأنه لا يقبل قوله في دفعها إليه. ولو قال من عنده وديعة لمالكها:
خذ وديعتك. لزمه أخذها كما في البيان، وعلى المالك مؤنة الرد. وخرج بقوله مع القدرة عليها ما إذا لم يقدر على ذلك لعذر كأن كان في جنح ليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في ذلك الوقت، أو كان مشغولا بصلاة أو قضاء حاجة، أو في حمام أو بأكل طعام، فلا ضمان عليه لعدم تقصيره. الحكم الثالث الجواز فللمودع الاسترداد وللوديع الرد في كل وقت، أما المودع فلانه المالك، وأما الوديع فلانه متبرع بالحفظ. قال ابن النقيب: وينبغي أن يقيد جواز الرد للوديع بحالة لا يلزمه فيها القبول وإلا حرم الرد فإن كان بحالة يندب فيها القبول فالرد خلاف الأولى إن لم يرض به المالك. وتنفسخ بما تنفسخ به الوكالة من موت أحدهما أو جنونه أو إغمائه أو نحو ذلك مما مر فيها. القول في ادعاء الوديع تلف الوديعة خاتمة: لو ادعى الوديع تلف الوديعة ولم يذكر له سببا، أو ذكر له سببا خفيا كسرقة صدق في ذلك بيمينه. قال ابن المنذر بالاجماع، ولا يلزمه بيان السبب في الأولى، نعم يلزمه أن يحلف له أنها تلفت بغير تفريط وإن ذكر سببا ظاهرا كحريق، فإن عرف الحريق وعمومه ولم يحتمل سلامة الوديعة كما قاله ابن المقري صدق بلا يمين لأن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين، أما إذا احتمل سلامتها بأن عم ظاهرا لا يقينا فيحلف لاحتمال سلامتها فإن عرف الحريق دون عمومه صدق بيمينه لاحتمال ما ادعاه، وإن جهل ما ادعاه من الظاهر طولب ببينة عليه ثم يحلف على التلف لاحتمال أنها لم تتلف به، ولا يكلف البينة على التلف به لأنه مما يخفي. ولو أودعه ورقة مكتوبا فيها الحق المقر به كمائة دينار وتلفت بتقصيره ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة الكتابة كما قاله الشيخان، بخلاف ما لو أتلف ثوبا مطرزا فإنه يلزمه قيمته، ولا يلزمه أجرة التطريز لأن التطريز يزيد قيمة الثوب غالبا، ولا كذلك الكتابة فإنها قد تنقصها. والله تعالى أعلم.