فصل: في الكتابة وهي بكسر الكاف على الأشهر هي لغة الضم والجمع لأن فيها ضم نجم إلى نجم، والنجم يطلق على الوقت أيضا الذي يحل فيه مال الكتابة، كما سيأتي وسميت كتابة للعرف الجاري بكتابة ذلك في كتاب يوافقه، وشرعا عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر، ولفظها إسلامي لا يعرف في الجاهلية. والأصل فيها قبل الاجماع آية: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * وخبر: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه أبو داود وغيره، والحاجة داعية إليها. (والكتابة مستحبة) لا واجبة وإن طلبها الرقيق قياسا على التدبير وشراء القريب، ولئلا يتعطل أثر الملك وتتحكم المماليك على المالكين وإنما تستحب. (إذا سألها العبد) من سيده (وكان مأمونا) أي أمينا فيما يكسبه بحيث لا يضيعه في معصية. (مكتسبا) أي قادرا على الكسب وبهما فسر الشافعي رضي الله تعالى عنه الخير في الآية. واعتبرت الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق والقدرة على الكسب ليوثق بتحصيل النجوم، وتفارق الايفاء حيث أجري على ظاهر الامر من الوجوب كما سيأتي لأنه مواساة وأحوال الشرع لا تمنع وجوبها كالزكاة.
تنبيه: قوله مكتسبا قد يوهم أنه أي كسب كان وليس مرادا بل لا بد أن يكون قادرا على كسب يوفي ما التزمه من النجوم فإن فقد شرط من هذا لثلاثة، وهي السؤال، والأمانة، والقدرة، على الكسب فمباحة إذ لا يقوى رجاء العتق إلا بها ولا تكره بحال لأنها عند فقد ما ذكر تفضي إلى العتق. نعم إن كان الرقيق فاسقا بسرقة أو نحوها وعلم السيد أنه لو كاتبه مع العجز عن الكسب لاكتسب بطريق الفسق كرهت كما قاله الأذرعي. وأركانها أربعة: سيد، ورقيق وصيغة وعوض. وشرط في السيد وهو الركن الأول ما مر في المعتق من كونه مختارا أهل تبرع وولاء لأنها تبرع وآيلة للولاء فتصح من كافر أصلي وسكران لا من مكره ومكاتب وإن أذن له سيده ولا من صبي ومجنون ومحجور بسفه وأوليائهم ولا من محجور فلس ولا من مرتد لأن ملكه موقوف والعقود لا توقف على الجديد ولا من مبعض لأنه ليس أهلا للولاء وكتابة مريض مرض الموت محسوبة من الثلث، فإن خلف مثلي قيمته صحت في كله أو مثل قيمته ففي ثلثيه أو لم يخلف غيره ففي ثلثه وشرط في الرقيق، وهو الركن الثاني اختيار وعدم صبا وجنون وأن لا يتعلق به حق لازم وشرط في الصيغة، وهو الركن الثالث لفظ يشعر بالكتابة وفي معناه ما مر في الضمان إيجابا ككاتبتك أو أنت مكاتب علي كذا كألف منجما مع قوله إذا أديته مثلا فأنت حر لفظا أو نية وقبولا كقبلت ذلك وشرط في العوض وهو الركن الرابع كونه مالا كما تعرض له المصنف رحمه الله تعالى. ولم يذكر غيره من الأركان بقوله: (ولا تصح) أي الكتابة (إلا بمال) في ذمة المكاتب نقدا كان أو عرضا موصوفا بصفة السلم لأن الأعيان لا يملكها حتى يورد العقد عليها (معلوم) عندهما قدرا وجنسا وصفة ونوعا لأنه عوض في الذمة فاشترط فيه العلم بذلك كدين السلم، ويكون (إلى أجل معلوم) ليحصله ويؤديه فلا تصح بالحال. ولو كان المكاتب مبعضا لأن الكتابة عقد خالف القياس في وضعه فاعتبر فيه سنن السلف والمأثور عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمن بعدهم قولا وفعلا. إنما هو التأجيل ولم يعقدها أحد منهم حالة ولو جاز لم يتفقوا على تركه مع اختلاف الأغراض خصوصا وفيه تعجيل عتقه.
تنبيه: لو كان العوض منفعة في الذمة كبناء دارين في ذمته وجعل لكل واحدة منهما وقتا معلوما