هذا الفرق الصرف لأولاد العالم من مال المصالح كفايتهم كما كان يصرف لأبيهم وهذا هو الظاهر.
فصل: في الجزية تطلق على العقد وعلى المال الملتزم به، وهي مأخوذة من المجازاة لكفنا عنهم.
وقيل من الجزاء: بمعنى القضاء قال تعالى: * (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * أي لا تقضى.
والأصل فيها قبل الاجماع آية: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * وقد أخذها (ص) من مجوس هجر. وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب كما رواه البخاري ومن أهل نجران كما رواه أبو داود والمعنى في ذلك أن في أخذها معونة لنا وإهانة لهم وربما يحملهم ذلك على الاسلام. وفسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها والصغار بالتزام أحكامنا. وأركانها خمسة: عاقد ومعقود له، ومكان ومال وصيغة. وشرط في الصيغة وهي الركن الأول ما مر في شرطها في البيع والصيغة إيجابا كأقررتكم أو أذنت في إقامتكم بدارنا مثلا على أن تلتزموا كذا جزية. وتنقادوا لحكمنا وقبولا نحو قبلنا ورضينا وشرط في العاقد كونه إماما يعقد بنفسه أو بنائبه. ثم شرع المصنف في شروط المعقود له وهو الركن الثاني بقوله: (وشرائط وجوب) ضرب (الجزية) على الكفار المعقود لهم (خمس خصال) الأولى (البلوغ و) الثانية (العقل) فلا يصح عقدها مع صبي ولا مجنون ولا من وليهما لعدم تكليفهما ولا جزية عليهما. وإن كان المجنون بالغا ولو بعد عقد الجزية إن أطبق جنونه. فإن تقطع وكان قليلا كساعة من شهر لزمته ولا عبرة بهذا الزمن اليسير وكذا لا أثر ليسير زمن الإفاقة كما بحثه بعضهم.
وإن كان كثيرا كيوم ويوم فالأصح تلفيق زمن الإفاقة فإذا بلغ سنة وجبت جزيتها (و) الثالثة (الحرية) فلا يصح عقدها مع الرقيق ولو مبعضا ولا جزية على متمحض الرق إجماعا ولا على المبعض على المذهب. (و) الرابعة (الذكورية) فلا يصح عقدها مع امرأة ولا جزية عليها لقوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * إلى قوله: * (وهم صاغرون) * وهو خطاب للذكور، وحكى ابن المنذر فيه الاجماع، وروى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا تأخذوا الجزية من النساء والصبيان ولا من خنثى ولا جزية عليه، لاحتمال كونه أنثى، فإن بانت ذكورته وقد عقدت له الجزية طالبناه بجزية المدة الماضية عملا بما في نفس الامر بخلاف ما لو دخل حربي دارنا وبقي مدة ثم اطلعنا عليه لا نأخذ منه شيئا لما مضى لعدم عقد الجزية له والخنثى كذلك إذا بانت ذكورته ولم تعقد له الجزية وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق من صحح الاخذ منه ومن صحح عدمه. (و) الخامسة (أن يكون) المعقود معه (من أهل الكتاب) كاليهودي والنصراني من العرب والعجم الذين لم يعلم دخولهم في ذلك الدين بعد نسخه لأصل أهل الكتاب وقد قال تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون) * إلى أن قال: * (والذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية) *. (أو ممن له شبهة كتاب) كالمجوس لأنه (ص) أخذها منهم وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولان لهم شبهة كتاب وكذا تعقد لأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ لدينه ولو بعد التبديل. وإن لم يجتنبوا المبدل منه تغليبا لحقن الدم ولا تحل ذبيحتهم ولا مناكحتهم لأن الأصل في الميتات والابضاع التحريم وتقعد أيضا لمن شككنا في وقت تهوده أو تنصره. فلم نعرف أدخلوا في ذلك الدين قبل النسخ أو بعده تغليبا لحقن الدم كالمجوس وبذلك حكمت الصحابة في نصارى العرب، وأما الصابئة والسامرة فتعقد لهم الجزية إن لم تكفرهم، اليهود والنصارى،