وأما الذي لا يخلف كالقار في إناء أو حوض مسدود فلا يجب بذل فضله على الصحيح، والفرق أنه في صورة الاستخلاف لا يلحقه ضرر، بالاحتياج إليه في المستقبل بخلافه في غيره. والشرط الرابع أن يكون بقرب الماء كلا مباح ترعاه المواشي، وإلا فلا يجب على المذهب لخبر الصحيحين:
لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ أي من حيث إن الماشية إنما ترعى بقرب الماء، فإذا منع من الماء فقد منع من الكلأ.
والشرط الخامس أن لا يجد مالك الماشية عند الكلأ ماء مباحا وإلا فلا يجب بذله. والشرط السادس أن لا يكون على صاحب البئر في ورود الماشية إلى مائه ضرر في زرع ولا ماشية، فإن لحقه في ورودها ضرر منعت، لكن يجوز للرعاة استقاء فضل الماء لها ولا يجب بذله لزرع الغير كسائر المملوكات، وإنما وجب بذله للماشية لحرمة الروح، ولا يجب بذل فضل الكلأ لأنه لا يستخلف في الحال ويتمول في العادة وزمن رعيه يطول بخلاف الماء، وحيث لزمه بذل الماء للماشية لزمه أن يمكنها من ورود البئر إن لم يضر به وإلا فلا كما مر وحيث وجب البذل لم يجز أخذ عوض عليه وإن صح بيع الطعام للمضطر لصحة النهي عن بيع فضل الماء رواه مسلم. ولا يجب على من وجب عليه البذل إعارة آلة الاستقاء.
تتمة: يشترط في بيع الماء التقدير بكيل أو وزن لا بري الماشية والزرع، والفرق بينه وبين جواز الشرب من ماء السقاء بعوض، أن الاختلاف في شرب الآدمي أهون منه في شرب الماشية والزرع ويجوز الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة إن كان السقي لا يضر بمالكها إقامة للاذن العرفي مقام اللفظي قاله ابن عبد السلام. ثم قال: نعم لو كان النهر لمن لا يعتبر إذنه كاليتيم والأوقاف العامة فعندي فيه وقفة انتهى. والظاهر الجواز. والقناة أو العين المشتركة يقسم ماؤها عند ضيقه عنهم بنصب خشبة في عرض النهر فيها ثقب متساوية أو متفاوتة على قدر الحصص من القناة أو العين، وللشركاء القسمة مهايأة وهي أمر يتراضون عليه كأن يسقي كل منهم يوما، أو بعضهم يوما وبعضهم أكثر بحسب حصته. وإن سقى زرعه بماء مغصوب ضمن الماء ببدله والغلة له لأنه المالك للبذر، فإن غرم البدل وتحلل من صاحب الماء كانت الغلة أطيب له مما لو غرم البدل فقط، ولو أشعل نارا في حطب مباح لم يمنع أحدا الانتفاع بها ولا الاستصباح منها، فإن كان الحطب له فله المنع من الاخذ منها كالماء لا الاصطلاء بها ولا الاستصباح منها.
فصل: في الوقف هو والتحبيس والتسبيل بمعنى وهو لغة: الحبس. يقال وقفت كذا أي حبسته. ولا يقال أوقفته في لغة تميمية وهي رديئة وعليها العامة، وهو عكس حبس فإن الفصيح أحبس وأما حبس فلغة رديئة. وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، ويجمع على وقوف وأوقاف. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * فإن أبا طلحة لما سمعها رغب في وقف بيرحاء وهي أحب أمواله إليه. وخبر مسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي. القول في أركان الوقف وأركانه أربعة: واقف وموقوف وموقوف عليه وصيغة. والمصنف ذكر بعضها معبرا عنه بالشروط فقال: (والوقف) أي من مختار أهل تبرع (جائز) أي