التي يفتي أو يحكم فيها، أن قوله لا يخالف الاجماع فيها إما بعلمه بموافقة بعض المتقدمين، أو يغلب على ظنه أن تلك المسألة لم يتكلم فيها الأولون. بل تولدت في عصره وعلى هذا تقاس معرفة الناسخ والمنسوخ كما نقله الشيخان عن الغزالي وأقراه. (و) التاسعة معرفة طرق الاجتهاد) الموصلة إلى مدارك الأحكام الشرعية. وهي معرفة ما تقدم وما سيذكره مع معرفة القياس صحيحه وفاسده بأنواعه الأولى والمساوي والأدون ليعمل بها. فالأول كقياس ضرب الوالدين على التأفيف والثاني كإحراق مال اليتيم على أكله في التحريم فيهما. والثالث كقياس التفاح على البر في الربا بجامع الطعم. (و) العاشرة (معرفة طرف من لسان العرب) لغة وإعرابا وتصريفا، لأن به يعرف عموم اللفظ وخصوصه وإطلاقه وتقييده وإجماله وبيانه، وصيغ الأمر والنهي والخبر والاستفهام والوعد والوعيد والأسماء والافعال والحروف وما لا بد منه في فهم الكتاب والسنة. (و) الحادية عشرة معرفة طرف (تفسير) من (كتاب الله تعالى) ليعرف به الأحكام المأخوذة منه.
تنبيه: هذا مع الذي قبله من جملة طرق الاجتهاد ولا يشترط أن يكون متبحرا في كل نوع من هذه العلوم حتى يكون في النحو كسيبويه وفي اللغة كالخليل بل يكفي معرفة جمل منها. قال ابن الصباغ: إن هذا سهل في هذا الزمان فإن العلوم قد دونت وجمعت انتهى. ويشترط أن يكون له من كتب الحديث أصل كصحيح البخاري وسنن أبي داود ولا يشترط حفظ جميع القرآن، ولا بعضه عن ظهر قلب بل يكفي أن يعرف مظان أحكامه في أبوابها فيراجعها وقت الحاجة. ولا بد أن يعرف الأدلة المختلف فيها كالاخذ بأقل ما قيل، وكالاستصحاب ومعرفة أصول الاعتقاد. كما حكي في الروضة كأصلها عن الأصحاب اشتراطه ثم اجتماع هذه العلوم إنما يشترط في المجتهد المطلق وهو الذي يفتي في جميع أبواب الشرع. أما المقلد بمذهب إمام خاص فليس عليه معرفة قواعد إمامه وليراع فيها ما يراعى المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع ولهذا ليس له أن يعدل عن نص إمامه كما لا يسوغ الاجتهاد مع النص. قال ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة. وأما أقوال الغزالي والقفال: إن العصر خلا عن المجتهد المستقل. فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن العلماء يرغبون عنه فقد قال مكحول:
لو خيرت بين القضاء والقتل لاخترت القتل. وامتنع منه الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما، وهذا ظاهر لا شك فيه إذ كيف يمكن القضاء على الاعصار بخلوها عن المجتهد والشيخ أبو علي والقاضي الحسين والأستاذ أبو إسحاق وغيرهم كانوا يقولون لسنا مقلدين للشافعي بل وافق رأينا رأيه.
ويجوز تبعيض الاجتهاد بأن يكون العالم مجتهدا في باب دون باب فيكفيه علم ما يتعلق بالباب الذي يجتهد فيه. (و) الثانية عشرة (أن يكون سميعا) ولو بصياح في أذنه فلا يولى أصم لا يسمع أصلا فإنه لا يفرق بين إقرار وإنكار. والثالثة عشرة أن يكون (بصيرا) فلا يولى أعمى ولا من يرى الأشباح ولا يعرف الصور، لأنه لا يعرف الطالب من المطلوب، فإن كان يعرف الصور إذا قربت منه صح وخرج بالأعمى الأعور فإنه يصح توليته. وكذا من يبصر نهارا فقط