ولا يعذر في شئ من ذلك وقد روى الأربعة والحاكم والبيهقي أن النبي (ص) قال:
القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاض في الجنة. فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحق، ورجل قضى للناس على جهل والقاضي الذي ينفذ حكمه، هو الأول والثاني والثالث لا اعتبار بحكمهما. وتولي القضاء فرض كفاية في حق الصالحين له في ناحية. أما تولية الإمام لأحدهم ففرض عين عليه. فمن تعين عليه في ناحية لزمه طلبه، ولزمه قبوله (ولا يجوز) ولا يصح (أن يلي القضاء) الذي هو الحكم بين الناس (إلا من استكملت فيه) بمعنى اجتمع فيه (خمس عشرة خصلة) ذكر المصنف منها خصلتين على ضعيف وسكت عن خصلتين على الصحيح كما ستعرف ذلك. الأولى (الاسلام) فلا تصح ولاية كافر ولو على كافر وما جرت به العادة من نصب شخص منهم للحكم بينهم فهو تقليد رئاسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء كما قاله الماوردي.
(و) الثانية (البلوغ و) الثالثة (العقل). فلا تصح ولاية غير مكلف لنقصه. (و) الرابعة (الحرية) فلا تصح ولاية رقيق ولو مبعضا لنقصه. (و) الخامسة (الذكورية) فلا تصح ولاية امرأة ولا خنثى مشكل أما الخنثى الواضح الذكورة فتصح ولايته كما قاله في البحر. (و) السادسة (العدالة) الآتي بيانها في الشهادات فلا تصح ولاية فاسق ولو بما له فيه شبهة على الصحيح، كما قاله ابن النقيب في مختصر الكفاية. وإن اقتضى كلام الدميري خلافه. (و) السابعة (معرفة أحكام الكتاب) العزيز. (و) معرفة أحكام (السنة) على طريق الاجتهاد. ولا يشترط حفظ آياتها ولا أحاديثها المتعلقات بها عن ظهر قلب، وآي الأحكام كما ذكره البندنيجي والماوردي وغيرهما خمسمائة آية، وعن الماوردي أن عدد أحاديث الأحكام خمسمائة كعدد الآي. والمراد أن يعرف أنواع الأحكام التي هي مجال النظر والاجتهاد واحترز بها عن المواعظ والقصص، فمن أنواع الكتاب والسنة العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ، ومن أنواع السنة المتواتر والآحاد والمتصل وغيره. لأنه بذلك يتمكن من الترجيح عند تعارض الأدلة فيقدم الخاص على العام، والمقيد على المطلق والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ، والمتواتر على الآحاد، ويعرف المتصل من السنة والمرسل منها وهو غير المتصل وحال الرواة قوة وضعفا في حديث لم يجمع على قبوله.
(و) الثامنة معرفة (الاجماع والاختلاف) فيه فيعرف أقوال الصحابة فمن بعدهم إجماعا واختلافا لئلا يقع في حكم أجمعوا على خلافه.
تنبيه: قضية كلامه أنه يشترط معرفة جميع ذلك وليس مرادا بل يكفي أن يعرف في المسألة