غائبا، وأقام الوكيل بينة بالوكالة، سمعها القاضي وأثبتها. ولا يعتبر حضور الخصم في إثبات الوكالة، خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه حيث (قال): لا تسمع البينة إلا في وجه الخصم. قال الامام: وهو بناء على مذهبه، في امتناع القضاء على الغائب.
ثم حكى الامام عن القاضي حسين: أنه لا بد (و) أن ينصب القاضي مسخرا ينوب عن الغائب، ليقيم المدعي البينة في وجهه. قال الامام: وهذا بعيد لا أعرف له أصلا، مع ما فيه من مخالفة الأصحاب. وحكى عنه أيضا أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القضاء وكيلا بالخصومة، اختص التوكيل بالمخاصمة في ذلك المجلس. قال الامام: والذي نعرفه للأصحاب أنه يخاصم في ذلك المجلس وبعده، ولا نعرف للقضاة العرف الذي ادعاه.
السابعة: وكل رجلا عند القاضي بالخصومة عنه، وطلب حقوقه، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضرا في المجلس، اعتمادا على العيان. فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه اعتمادا على اسم ونسب يذكره، فلا بد من إقامة بينة على أن فلان ابن فلان وكله، أو على أن الذي وكله هو فلان بن فلان، ذكره أصحابنا العراقيون، والشيخ أبو عاصم العبادي. وعبارة العبادي: إنه لا بد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضي ويثق بهما. ثم إن الامام حكى عن القاضي حسين - رحمهما الله - أن عادة الحكام التساهل في هذه البينة، والاكتفاء بالعدالة الظاهرة، وترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرباء. وقال القاضي أبو سعد ابن أبي يوسف في شرح مختصر العبادي: يمكن أن يكتفى بمعرف واحد إذا كان موثوقا به، كما قال الشيخ أبو محمد: إن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها، يحصل بمعرف واحد، لأنه إخبار لا شهادة.
قلت: وإذا ادعى على وكيل مالا، وأقام بينة وقضى بها الحاكم، ثم حضر الغائب وأنكر الوكالة، أو ادعى عزله، لم يكن له أثر، لان الحكم على الغائب جائز. قال في التتمة: وإذا اعترف الخصم عند القاضي بأنه وكيل، جاز له المحاكمة قطعا. وفي وجوبها عليه، الخلاف فيما إذا اعترف بأنه وكيل في قبض الدين، هل يلزمه دفعه إليه، أم لا يجب حتى يقيم بينة؟ والله أعلم.