والدواب كما وصفت دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالا وإلى ما لم تكن العرب تأكله فيكون حراما فلم تكن العرب تأكل كلبا ولا ذئبا ولا أسدا ولا نمرا وتأكل الضبع فالضبع حلال ويجزيها المحرم بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صيد وتؤكل، ولم تكن الفأر ولا العقارب ولا الحيات ولا الحدأ ولا الغربان فجاءت السنة موافقة للقرآن بتحريم ما حرموا وإحلال ما أحلوا وإباحة أن يقتل في الاحرام ما كان غير حلال أن يؤكل ثم هذا أصله، فلا يجوز أن يؤكل الرخم ولا البغاث ولا الصقور ولا الصوائد من الطائر كله مثل الشواهين والبزاة والبواشق ولا تؤكل الخنافس ولا الجعلان ولا العظاء ولا اللكحاء ولا العنكبوت ولا الزنابير ولا كل ما كانت العرب لا تأكله، ويؤكل الضب والأرنب والوبر وحمار الوحش وكل ما أكلته العرب أو فداه المحرم في سنة أو أثر، وتؤكل الضبع والثعلب (قال الشافعي) أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحرث عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع: أصيد هي؟ فقال: نعم.
قلت أتؤكل؟ قال: نعم، قلت: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (قال الشافعي) وما يباع لحم الضباع بمكة إلا بين الصفا والمروة وكل ذي ناب من السباع لا يكون إلا ما عدا على الناس وذلك لا يكون إلا في ثلاثة أصناف من السباع الأسد والذئاب والنمور فأما الضبع فلا يعدو على الناس وكذلك الثعلب ويؤكل اليربوع والقنفذ (قال الشافعي) والدواب والطير على أصولها، فما كان منها أصله وحشيا واستأنس فهو فيما يحل منه ويحرم كالوحش وذلك مثل حمار الوحش والظبي يستأنسان والحمار يستأنس فلا يكون للمحرم قتله فإن قتله فعليه جزاؤه ويحل أن يذبح حمار الوحش المستأنس فيؤكل وما كان لا أصل له في الوحش، مثل الدجاج، والحمر الأهلية، والإبل، والغنم، والبقر. فتوحشت فقتلها المحرم، لم يجزها، ويغرم قيمتها للمالك، إن كان لها، لأنا صيرنا هذه الأشياء كلها على أصولها، فإن قال قائل: في الوحش بقر وظباء مثل البقر والغنم؟ قيل: نعم، تخلق غير خلق الأهلية، شبها لها معروفة منها. ولو أنا زعمنا أن حمار الوحش إذا تأهل لا يحل أكله، دخل علينا أن لو قتله محرم لم يجزه، كما لو قتل حمار أهليا لم يجزه، ودخل علينا في الحمار الأهلي أن لو توحش كان حلالا، وكل ما توحش من الأهلي، في حكم الوحشي، وما استأنس من الوحشي، في حكم الانسي: فأما الإبل التي أكثر علفها العذرة اليابسة، فكل ما صنع هذا من الدواب التي تؤكل، فهي جلالة، وأرواح العذرة توجد في عرقها وجررها، لان لحومها تغتذى بها فتقلبها. وما كان من الإبل وغيرها، أكثر علفه من غير هذا، وكان ينال هذا قليلا، فلا يبين في عرقه ولا جرره، لان اغتذاءه من غيره، فليس بجلال منهى عنه. والجلالة منهى عن لحومها حتى تعلف علفا غيره ما تصير به إلى أن يوجد عرقها وجررها منقلبا عما كانت تكون عليه فيعلم أن اغتذاءها قد انقلب، فانقلب عرقها وجررها فتؤكل إذا كانت هكذا. ولا نجد شيئا نستطيع أن نجده فيها كلها أبين من هذا، وقد جاء في بعض الآثار: أن البعير يعلف أربعين ليلة، والشاة عددا أقل من هذا، والدجاجة سبعا.
وكلهم فيما يرى إنما أراد المعنى الذي وصفت، من تغيرها من الطباع المكروهة، إلى الطباع غير المكروهة، التي هي في فطرة الدواب.