يكون أعطاه ثوبا وإذن له في بيعه فلبسه الوكيل واستعمله فقد صار متعديا بذلك، فإذا ثبت هذا فإن الأمانة تبطل بالتعدي ويصير ضامنا للمال كالمودع إذا تعدى في الوديعة، فإذا ثبت بطلان الأمانة فهل يصح تصرفه بعد ذلك في المال أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح لأن التوكيل ائتمان، فإذا تعدى بطل ذلك الائتمان كما لو تعدى المودع.
والثاني: أنه لا يبطل التصرف ويكون الإذن باقيا، لأن التوكيل يشتمل على أمرين: تصرف وأمانة، فإذا تعدى بطل أحدهما وبقى الآخر، كالرهن يشتمل على أمانة ووثيقة، فإذا تعدى في الرهن بطلت الأمانة وبقيت الوثيقة، فكان له بعد تعديه أن يتمسك بالرهن متوثقا به، ويفارق الوديعة لأنها أمانة مجردة.
فإذا تقرر الوجهان فمن قال: يبطل التصرف، لم يكن له أن يتصرف في ذلك المال، ومن قال: لا يبطل، كان له التصرف فيه، فإن باعه وسلمه إلى المشتري زال عنه الضمان، لأنه سلم المال الذي تعدى فيه إلى صاحبه، فهو كما لو رده على الموكل قبل التصرف.
وقال قوم: إن بنفس البيع يزول عنه الضمان لأنه الملك صار لغير الموكل وما وجد من الوكيل تعديا في جنبته، فإن سلم الثمن من المشتري حصل في يده أمانة، لأنه أخذه بإذن صاحبه ولم يوجد منه فيه تعد، ويفارق المبيع الذي كان في يده لأنه كان تعدى فيه.
فإذا وكله في بيع ماله في سوق بعينها فخالفه وباعه في غيرها بثمن مثلها أو أكثر جاز، لأن المقصود تحصيل الثمن ولا غرض في تعيين الموضع.
وإن أمره ببيعه من زيد مثلا فباعه من غيره لم يصح البيع لأن له غرضا في تعيين المشتري لتحصل المسامحة له في الثمن إن كان قد سمى للوكيل مقدارا دون المثل، وإن كان أطلق ذلك فقد قصد أن يحصل المبيع للمسمى تخصيصا له بها وقضاء لحقه.