وعلى هذا لو بلغه أن المشتري زيد لنفسه فعفا عنها، ثم بان أنه اشتراه لغيره، كان له الأخذ، لأنه قد رضي زيدا شريكا ولا يرضى غيره، فإن بلغه أن الثمن حنطة فعفا ثم بان له أنه شعير أو بلغه أنه شعير ثم بان أنه حنطة، لم تسقط شفعته، لأن له غرضا في أخذه بأحد الثمنين دون الآخر، كما لو بلغه أن الثمن دنانير فعفا، فبان أنه دراهم أو بلغه أنه دراهم فعفا فبان أنه دنانير لم تسقط شفعته، كذلك هاهنا، فإن علم الشفيع بالشفعة وقد قاسم المشتري، وبنى، فقد قلنا: إن له الشفعة ويدفع إلى المشتري قيمة ما أحدثه.
فإن كانت بحالها وقد زرع المشتري، قلنا للشفيع: خذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى الحصاد لأن ضرره لا يتلافى، فإن قال: أنا أؤخر الأخذ حتى إذا حصد الزرع أخذت إذ ذاك، كان له ذلك، ولم تسقط شفعته، لأن له فيه غرضا صحيحا، وهو أن ينتفع بالثمن إلى الحصاد، ولا يدفع الثمن ويأخذ أرضا لا منفعة له فيها كما قلنا فيه: إذا كان الثمن إلى أجل أن له تأخير الأخذ حتى يأخذ في محله بالثمن.
إن اشترى شقصا تجب فيه الشفعة، وضمن له الدرك عن البائع اثنان، ثم شهدا عليه أنه قد باع الشقص بعد الشراء، وأنه سلمه بعد الشفعة إلى الشفيع، أو أن الشفيع قد أخذه منه بالشفعة، قبلت شهادتهما، لأن ضمانهما لا يختلف بشئ من ذلك، فلا يجران نفعا، ولا يدفعان ضررا، فلم ترد به شهادتهما بحال، فإن وجبت له الشفعة والشقص في يد البائع، فقضى القاضي له بها ودفع الثمن إلى المشتري، كان للشفيع أخذه من البائع، وإن قال البائع للشفيع: أقلني هذا البيع، فأقاله، كانت الإقالة باطلة لأنها إنما تصح من المتبايعين، فأما بين البائع وغير المشتري فلا.
فإن باع المشتري الشقص قبل أن يقبضه الشفيع لم يصح، لأنه ملكه عنه الشفيع، وإن باعه الشفيع قبل القبض من البائع لم يصح، لأنه باع ذلك قبل القبض، فإن الشفيع مع المشتري كالمشتري مع البائع.