فأما الحمى فهذا موضعه، وهو أن يحمي قطعة من الأرض للمواشي ترعى فيها والناس في ذلك على ثلاثة أضرب: النبي محمد - عليه وآله أفضل الصلاة والسلام والبركات - والأئمة من بعده - عليهم أفضل الصلاة والسلام والتحيات - وآحاد المسلمين.
فأما النبي صلى الله عليه وآله فكان له أن يحمي لنفسه ولعامة المسلمين لقوله عليه السلام: لا حمى إلا لله ولرسوله، وروي عنه عليه السلام أنه حمى النقيع " بالنون " وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله حمى النقيع لخيل المجاهدين ترعى فيه.
فأما آحاد المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم ولا لعامة المسلمين لقوله عليه السلام: لا حمى إلا لله ولرسوله، وهذا خاص في هذا الموضع، وهذان لا خلاف فيهما.
وأما الأئمة الذين نذهب إلى إمامتهم المعصومون، فإن حموا كان لهم ذلك، لأن أفعالهم حجة ولا يجوز عليهم الخطأ والقبيح، وفي المخالفين من قال: ليس للإمام أن يحمي لنفسه شيئا، وإن أراد أن يحميه للمسلمين ليس له ذلك، وفيهم من قال: له أن يحمي للمسلمين.
فإذا ثبت ذلك فالكلام في فصلين: أحدهما بيان ما يحمى له، والثاني قدر ما يحمى.
فأما الذي يحمى له فإنه يحمي للخيل المعدة لسبيل الله، ونعم الجزية، ونعم الصدقة والضوال، وأما قدر ما يحمي فهو ما لا يعود بضرر على المسلمين، أو يضيق مراعيهم، لأن الإمام لا يفعل عندنا إلا ما هو من مصالح المسلمين.
فإذا ثبت هذا فإنه يحمي القدر الذي يفضل عنه ما فيه كافية لمواشي المسلمين، فأما ما حماه رسول الله فإنه لا يجوز للإمام القائم مقامه نقضه وحله، لأن فعله حجة يجب اتباعه فيه، وما يفعله الإمام القائم مقامه لا يجوز لأحد تغييره، وإن غيره هو أو من بعده من الأئمة أو أذن واحد منهم لغيره في إحياء ميت فأحياه