نيّف وعشرين صحابياً، وفي بعض تلك الطرق: انه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى: أنه قال بالمدينة في مرضه- وقد امتلأت الحجرة بأصحابه- وفي أخرى: انه قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى: انه قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف، ولا تنافي اذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة» «1».
وقال نور الدين علي بن أحمد السمهودي: هنا تنبيهات:
أحدها: قوله في حديث مسلم وغيره (وأنا تارك فيكم ثقلين) اي كتاب اللَّه والعترة الطاهرة كما سبق سمّاهما ثقلين لعظمتهما وكبر شأنهما كما قاله النوّوي. اذ الثقل محرّكا يطلق لغةً كما في (القاموس) على متاع المسافر وحشمه وكلّ شي ء نفيس مصون. قال: ومنه الحديث: اني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي، والثقلان الانس والجن، والأثقال كنوز الأرض وموتاها، وقال غيره: كل خطير نفيس ثقل، ومنه الثقلان الانس والجان، لانّهما فضّلًا بالتمييز والعقل على ساير الحيوانات وهما قطّان الأرض وسُكانها.
قلت: والحاصل انه لما كان كل من القرآن العظيم والعترة الطاهرة معدناً للعلوم اللدنية والأسرار والحكم النفيسة الشرعية وكنوز دقائقها واستخراج حقائقها، اطلق صلى اللَّه عليه وسلّم عليهما الثقلين، ويرشد لذلك حثّه في بعض الطرق السابقة على الاقتداء والتمسك والتعلم من أهل بيته وقوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم في حديث أحمد الآتي (الحمد للَّه الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت) وقيل سمّاهما ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بما يتلقّى عنهما، والمحافظة على رعايتهما