وأمرهم بلزوم دار أبي الحسن وتعرف خبره ومشاركتهم له بحاله وجميع ما يحدث له في مرضه، وبعث اليه من خدام المتطبّبين وأمرهم بالاختلاف اليه وتعهّده صباحاً ومساء، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاث أخبروا الخليفة بأن قوّته قد سقطت وحركته قد ضعفت وبعيد أن يجي ء منه شي ء، فأمر المتطببين بملازمته وبعث الخليفة الى القاضي ابن بختيار ان يختار عشرة ممن يثق بهم وبدينهم وأمانتهم يأمرهم الى دار أبي محمّد الحسن وبملازمته ليلًا ونهاراً فلم يزالوا هناك الى أن توفي بعد أيام قلائل، ولما رفع خبر وفاته ارتجّت سرّ من رأى وقامت ضجّة واحدة، وعطّلت الأسواق، وغلّقت أبواب الدكاكين، وركب بنو هاشم والكتاب والقواد والقضاة والمعدّلون وساير الناس الى أن حضروا الى جنازته، فكانت سرّ من رأى في ذلك شبيهاً بالقيامة.
فلما فرغوا من تجهيزه بعث الخليفة الى أبي عيسى بن المتوكل أخيه بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منه وكشف عن وجهه وعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية وعلى القضاة والكتاب والمعدّلين، فقال: هذا أبو محمّد العسكري مات حتف أنفه على فراشه، وحضره من خدّام أميرالمؤمنين فلان وفلان، ثم غطّى وجهه وصلى عليه وأمر بحمله ودفنه.
وكانت وفاة أبي محمّد الحسن بن علي بسر من رأى في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين للهجرة، ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه بدارهما من سر من رأى وله يومئذ من العمر ثمان وعشرون سنة، وكانت مدة امامته سنتين كانت في بقية ملك المعتز بن المتوكل، ثم ملك المهتدي ابن الواثق أحد عشراً ثم ملك المعتمد على اللَّه أحمد بن المتوكل ثلاث وعشرين سنة، مات في أوائل دولته.