المحدث في سرّه بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنفس والذات، تغمده اللَّه برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمّد صلّى اللَّه عليه وآله، أمين» «1».
قال الشبلنجي: «حدثّ أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري، قال: كنت في الحبس الذي في الجوشق أنا والحسن بن محمّد، ومحمّد بن إبراهيم العمري، وفلان وفلان خمسة أو ستة، اذ دخل علينا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري واخوه جعفر فحففنا بأبي محمّد وكان المتولّي للحبس صالح بن يوسف الحاجب، وكان معنا في الحبس رجلٌ أعجمي فالتفت الينا أبو محمّد وقال لنا سرّاً: لو لا ان هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرج اللَّه عنكم، وهذا الرجل قد كتب فيكم قصة الى الخليفة يخبر فيها بما تقولون فيه وهي معه في ثيابه يريد الحيلة في إيصالها الى الخليفة من حيث لا تعلمون، فاحذروا شرّه، قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعاً على الرجل ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه في ثيابه، وهو يذكرنا فيها بكل سوء، فأخذناها منه وحذرناه.
وكان الحسن يصوم في السجن فإذا أفطر أكلنا معه من طعامه، قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه، فلما كان ذات يوم ضعفت من الصوم، فأمرت غلامي فجاء لي بكعك، فذهبت الى مكان خال في الحبس فأكلت وشربت، ثم عدت الى مجلسي مع الجماعة، ولم يشعر بي أحدٌ فلما رآني تبسم وقال: أفطرت، فخجلت فقال: لا عليك يا أبا هاشم إذا رأيت انك قد ضعفت وأردت القوّة فكل اللحم فان الكعك لا قوة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً، فان البنية إذا أنهكتها لا تتقوّى الّا بعد ثلاث.