به! فبعث اليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد اللَّه عليه. فصعد المنبر فقعد مليّاً لا يتكلم مطرقاً ثم انتفض انتفاضة فاستوى قائماً وحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وصلى على نبيّه وأهل بيته ثم قال: أول عبادة اللَّه معرفته، وأصل معرفة اللَّه توحيده، ونظام توحيده نفي الصفات عنه بشهادة العقول انّ كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس اللَّه عرف من عرف ذاته بالتشبيه، ولا ايّاه وحّد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب من مثله ولا به صدق من نهّاه ولا صمد صمده من أشار اليه ولا اياه عنى من شبهه ولا له تذلل من بعّضه، ولا اياه أراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع اللَّه يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته خلقة اللَّه الخلق حجاب بينه وبينهم ومفارقته اياهم مباينة بينه وبينهم، وابتداؤه إياهم دليل على أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره، وأدوّه اياهم دليل على أن لا أداة له، لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين فاسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغيره تحديد لما سواه، فقد جهل اللَّه من استوصفه، وقد تعدّاه من استمثله، وقد أخطأه من اكتنهه ومن قال: «كيف» فقد شبّهه ومن قال «لم» فقد علّله، ومن قال: «متى» فقد وقّته، ومن قال: «فيم» فقد ضمّنه، ومن قال: «الى م» فقد نهاه، ومن قال: «حتى م» فقد غيّاه ومن غيّاه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، ولا يتغير اللَّه بتغير المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود.
أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مباين لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا يتجسم، موجود لا