عليه السّلام من مواد علم القضاء كان مناط افاضة انوارها عليه، ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قبل ذلك لما انتدبه وانتضاه، وآثره وارتضاه، وفوض اليه قضاء اليمن وولاه أحجم إحجاماً، فلما أحس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ذلك منه أخبره بان اللَّه عزوعلا سيرزق قلبه الهدى والتثبيت له من اللَّه تعالى فلن يضل ابداً. فمن ذلك ما نقله الإمام أبو داود سليمان بن الاشعث في مسنده يرفعه بسنده إلى علي عليه السّلام قال: أرسلني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول اللَّه، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال لي رسول اللَّه: ان اللَّه سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فانه أحرى أن يبين لك القضاء، قال: فما زلت قاضياً وما شككت في قضاء بعد، فهبت عليه النسمات الآلهية من العناية النبوية بألطاف التأييد ونزل عليه الملكان الموكلان بالمحقين، فألبساه رداء التوفيق والتسديد فوفرت حقائق علم القضاء في صدره حتى ما على احاطته بهما من مزيد، وأثمرت حدائق فضائله، فنخلها بالمعرفة باسقات ذوات طلع نضيد، فلما رسخ علمه عليه السّلام بمواد القضاء رسوخاً لا تحركه الهواب ورسا قدم فهمه في قواعد معرفته بحيث لا يعترضه الاضطراب، وصفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بقوله: أقضاكم علي، اذ وضحت لديه الاسباب وتفتحت بين يديه الابواب، وشرحت له السنن والآداب، حتى قال قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربه العلم شرباً ونهلته نهلًا» «1».
(٣١)