اللَّه عليه وآله وسلّم قال: أفرضهم زيد، وأقرؤهم أبيّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، ولا يخفى أن علم الفرائض لا يفتقر إلى علم آخر، ومعرفة القراءة لا يتوقف على سواها، وكذلك العلم بالحلال والحرام. بخلاف علم القضاء فالنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قد أخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي عليه السّلام مع زيادة فيها فان صيغة أفعل يقتضي وجود أصل ذلك الوصف والزيادة فيه على غيره، وإذا كانت هذه الصفة العالية قد أثبتها له فتكون حاصلة، ومن ضرورة حصولها له ان يكون متصفاً بها ولا يتصف بها الا بعد أن يكون كامل العقل صحيح التميز، جيّد الفطنة، بعيداً عن السهو والغفلة، يتوصل بتفضيله إلى وضوح ما استكمل، وفصل ما اعضل، ذا عدالة تحجزه عن أن يحوم حول حمى المحارم ومروة تحمله على محاسن الشيم، ومجانبة الدّنايا، صادق اللهجة، ظاهر الامانة، عفيفاً عن المحظورات مأموناً في السخط والرضا، عارفاً بالكتاب والسنة والاتفاق والاختلاف والقياس ولغة العرب، بحيث يقدم المحكم على المتشابه، والخاص على العام، والمبين على المجمل، والناسخ على المنسوخ ويبني المطلق على المقيد ويقضي بالتواتر دون الآحاد وبالمسند دون المرسل، وبالمتصل دون المنقطع وبالاتفاق دون الاختلاف ... ليتوصلّ بها إلى الاحكام فليس كل حكم منصوصاً عليه، ويعرف اقسام الاحكام من الواجب والمحظور والمندوب والمكروه، فهذه امور لا يصحّ اتصاف الانسان بعلم القضاء ما لم يحط بمعرفتها ومتى فقد علمه بها لا يصلح للقضاء ولا يصلح اتصافه به فظهر لك- أيدك اللَّه تعالى- ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم حيث وصف علياً بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلًا، فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة الأقسام فرعاً واصلًا، وكفى بذلك دلالة لمن خص بهدية الهداية قولًا وفعلًا على ارتقاء علي عليه السّلام في مناهج معارج العلوم الى المقام الاعلى، وضربه في اعتناء الفضائل المجزاة بالتساهم بالقدح المعلى حصول هذه المناقب والآلاء وشمول هذه المطالب السنية، الحاصلة لعلي
(٣٠)