وطلاب الأجر؟ فثاب اليه عصابة من المسلمين من سائر الناس، فدعا ابنه محمّداً، فدفع اليه الراية وقال: امش بها نحو هذه الراية مشياً رويداً، حتى اذا أشرعت في صدورهم الرماح فامسك حتى يأتيك أمري، ففعل، وأتاه علي ومعه الحسن والحسين وشيوخ بدر وغيرهم من الصحابة وقد كردس الخيل، فحملوا على غسان ومن يليها، فقتلوا منها بشراً كثيراً وعادت الحرب في آخر النهار كحالها في أوله، وحملت ميمنة معاوية وفيها عشرة آلاف من مذحج وعشرون ألفاً مقنعون في الحديد على ميسرة علي، فاقتطعوا ألف فارس، فانتدب من اصحاب علي عبد العزيز بن الحارث الجعفي وقال لعلي: مرني بأمرك، فقال: شد اللَّه ركنك، سر حتى تنتهي إلى اخواننا المحاط بهم، وقل لهم: يقول لكم علي: كبروا ثم احملوا ونحمل حتى نلتقي، فحمل الجعفي، فطعن في عرضهم حتى انتهى اليهم، فأخبرهم بمقالة علي، فكبروا ثم شدوا حتى التقوا بعلي، وشدخوا سبعمائة من أهل الشام، وقتل حوشب ذو ظليم وهو كبش من كباش اليمن من أهل الشام، وكان على راية ذهل ابن شيبان وغيرها من ربيعة الحضين بن المنذر ابن الحارث بن وعلة الذهلي، وفيه يقول علي في هذا اليوم:
لمن راية سوداء يخفق ظلها | | إذا قلت قدمها حضين تقدما |
فأمره بالتقدم، واختلط الناس، وبطل النبل، واستعملت السيوف، وجنهم الليل، وتنادوا بالشعار وتقصفت الرماح، وتكادم القوم، وكان يعتنق الفارس الفارس ويقعان جميعاً إلى الأرض عن فرسيهما، وكانت ليلة الجمعة- وهي ليلة الهرير- فكان جملة من قتل علي بكفه في يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرين رجلًا أكثرهم في اليوم، وذلك انه كان إذا قتل رجلًا كبر إذا ضرب ولم يكن يضرب إلا قتل، ذكر ذلك عنه من كان يليه في حربه ولا يفارقه من ولده وغيرهم.