وإن يكن شئ من ذلك فإنما هو في اللفظ فحسب.
فلا يزال الواحد منا وكذلك كل موجود يعيش بالعلم والشعور، يرى نفسه موجودا واقعيا ذا آثار واقعية. ولا يمس شيئا آخر غيره إلا بما أن له نصيبا من الواقعية.
غير أنا كما لا نشك في ذلك لا نرتاب أيضا في أنا ربما نخطئ، فنحسب ما ليس بموجود موجودا أو بالعكس، كما أن الإنسان الأولي كان يثبت أشياء ويرى آراء ننكرها نحن اليوم ونرى ما يناقضها، وأحد النظرين خطأ لا محالة. وهناك أغلاط نبتلي بها كل يوم، فنثبت الوجود لما ليس بموجود وننفيه عما هو موجود حقا، ثم ينكشف لنا أنا أخطأنا في ما قضينا به. فمست الحاجة إلى البحث عن الأشياء الموجودة وتمييزها بخواص الموجودية المحصلة مما ليس بموجود، بحثا نافيا للشك منتجا لليقين، فإن هذا النوع من البحث هو الذي يهدينا إلى نفس الأشياء الواقعية بما هي واقعية. وبتعبير آخر: بحثا نقتصر فيه على استعمال البرهان، فإن القياس البرهاني هو المنتج للنتيجة اليقينية من بين الأقيسة، كما أن اليقين هو الاعتقاد الكاشف عن وجه الواقع من بين الإعتقادات.
فإذا بحثنا هذا النوع من البحث أمكننا أن نستنتج به أن كذا موجود وكذا ليس بموجود، ولكن البحث عن الجزئيات خارج من وسعنا، على أن البرهان لا يجري في الجزئي بما هو متغير زائل، ولذلك بعينه ننعطف في هذا النوع من البحث إلى البحث عن حال الموجود على وجه كلي، فنستعلم به أحوال الموجود المطلق بما أنه كلي. ولما كان من المستحيل أن يتصف الموجود بأحوال غير موجودة، انحصرت الأحوال المذكورة في أحكام تساوي الموجود من حيث هو موجود، كالخارجية المطلقة والوحدة العامة والفعلية الكلية المساوية للموجود المطلق، أو تكون أحوالا هي أخص من الموجود المطلق، لكنها وما يقابلها جميعا تساوي الموجود المطلق، كقولنا: (الموجود إما خارجي أو ذهني) و (الموجود إما واحد أو كثير) و (الموجود إما بالفعل أو بالقوة) والجميع - كما ترى - أمور غير خارجة