يوجد ويحضر لشئ بالإمكان، وكل ما كان للمجرد بالإمكان فهو له بالفعل فهو معقول بالفعل. وإذ كان العقل متحدا مع المعقول فهو عقل، وإذ كانت ذاته موجودة لذاته فهو عاقل لذاته، فكل مجرد عقل وعاقل ومعقول. وإن شئت فقل: (إن العقل والعاقل والمعقول مفاهيم ثلاثة منتزعة من وجود واحد).
والبرهان المذكور آنفا كما يجري في كون كل مجرد عقلا وعاقلا ومعقولا لنفسه يجري في كونه عقلا ومعقولا لغيره.
فإن قيل (1): لازم ذلك أن تكون النفس الإنسانية لتجردها عاقلة لنفسها ولكل مجرد مفروض، وهو خلاف الضرورة.
قلنا (2): هو كذلك لو كانت النفس المجردة مجردة تجردا تاما ذاتا وفعلا، لكنها مجردة ذاتا ومادية فعلا، فهي لتجردها ذاتا تعقل ذاتها بالفعل.
وأما تعقلها لغيرها فيتوقف على خروجها من القوة إلى الفعل تدريجا بحسب الاستعدادات المختلفة التي تكتسبها. فلو تجردت تجردا تاما ولم يشغلها تدبير البدن حصلت له جميع التعقلات حصولا بالفعل بالعقل الاجمالي وصارت عقلا مستفادا.
وليتنبه أن هذا البيان إنما يجري في الذوات المجردة التي وجودها في نفسها لنفسها. وأما الأعراض التي وجودها في نفسها لغيرها فالعاقل لها الذي يحصل له المعقول موضوعها لا أنفسها. وكذلك الحكم في النسب والروابط التي وجوداتها في غيرها.