والأمر بالعكس مما ذكر إذا أخذنا مرتبة ضعيفة واعتبرناها مقيسة إلى ما هي أضعف منها وهكذا حتى ننتهي إلى مرتبة من الكمال والفعلية ليس لها من الفعلية إلا فعلية أن لا فعلية لها.
الأمر الثالث: تبين من جميع ما مر أن للمراتب المترتبة من الوجود حدودا غير أعلى المراتب، فإنها محدودة بأنها لا حد لها. وظاهر أن هذه الحدود الملازمة للسلوب والأعدام والفقدانات التي نثبتها في مراتب الوجود، وهي أصيلة وبسيطة، إنما هي من ضيق التعبير، وإلا فالعدم نقيض الوجود ومن المستحيل أن يتخلل في مراتب نقيضه.
وهذا المعنى - أعني دخول الأعدام في مراتب الوجود المحدودة وعدم دخولها المؤدي إلى الصرافة - نوع من البساطة والتركيب في الوجود، غير البساطة والتركيب المصطلح عليها في موارد أخرى وهو البساطة والتركيب من جهة الأجزاء الخارجية أو العقلية أو الوهمية.
الأمر الرابع: أن المرتبة كلما تنزلت زادت حدودها وضاق وجودها (1)، و كلما عرجت وزادت قربا من أعلى المراتب قلت حدودها واتسع وجودها حتى يبلغ أعلى المراتب، فهي مشتملة على كل كمال وجودي من غير تحديد، ومطلقة من غير نهاية.
الأمر الخامس: أن للوجود حاشيتين من حيث الشدة والضعف، وهذا ما يقضي به القول بكون الوجود حقيقة مشككة.
الأمر السادس: أن للوجود بما لحقيقته من السعة والانبساط تخصصا بحقيقته العينية البسيطة، وتخصصا بمرتبة من مراتبه المختلفة البسيطة التي يرجع ما به الامتياز فيها إلى ما به الاشتراك، وتخصصا بالماهيات المنبعثة عنه المحددة له، ومن المعلوم أن التخصص بأحد الوجهين الأولين مما يلحقه بالذات، وبالوجه الثالث أمر يعرضه بعرض الماهيات.