البقاء كما يجب وجودها في حالة الحدوث.
على أنه قد تقدم (1) أن وجود المعلول بالنسبة إلى العلة وجود رابط قائم بها غير مستقل عنها، فلو استغنى عن العلة بقاء كان مستقلا عنها غير قائم بها، وهذا خلف.
برهان آخر: قال في الأسفار: (وهذا - يعني كون علة الحاجة إلى العلة هي الحدوث - أيضا باطل، لأنا إذا حللنا الحدوث بالعدم السابق والوجود اللاحق وكون ذلك الوجود بعد العدم وتفحصنا عن علة الافتقار إلى الفاعل أهي أحد الأمور الثلاثة أم أمر رابع مغاير لها؟ لم يبق من الأقسام شئ إلا القسم الرابع. أما العدم السابق فلأنه نفي محض لا يصلح للعلية. وأما الوجود فلأنه مفتقر إلى الايجاد المسبوق بالاحتياج إلى الوجود المتوقف على علة الحاجة إليه. فلو جعلنا العلة هي الوجود لزم توقف الشئ على نفسه بمراتب. وأما الحدوث فلافتقاره إلى الوجود لأنه كيفية وصفة له، وقد علمت افتقار الوجود إلى علة الافتقار بمراتب. فلو كان الحدوث علة الحاجة يتقدم على نفسه بمراتب، فعلة الافتقار زائدة على ما ذكرت) (2).
وقد اندفعت بما تقدم مزعمة أخرى لبعضهم (3)، وهي قولهم: (إن من شرط صحة الفعل سبق العدم) (4). والمراد بالسبق السبق الزماني، ومحصله أن المعلول بما أنه فعل لعلته يجب أن يكون حادثا زمانيا. وعللوه بأن دوام وجود الشئ لا يجامع حاجته، ولازم هذا القول أيضا عدم وجود المعلول عند وجود العلة.
وجه الاندفاع (5): أن علة الحاجة إلى العلة هي الإمكان وهو لازم الماهية، والماهية مع المعلول كيفما فرض وجودها، من غير فرق بين الوجود الدائم وغيره.