وأما التسلسل فهو ترتب شئ موجود على شئ آخر موجود معه بالفعل، وترتب الثاني على ثالث كذلك، والثالث على رابع، وهكذا إلى غير النهاية. سواء كان ذهاب السلسلة كذلك من الجانبين بأن يكون قبل كل قبل قبل وبعد كل بعد بعد أو من جانب واحد. لكن الشرط على أي حال أن يكون لأجزاء السلسلة وجود بالفعل وأن تكون مجتمعة في الوجود وأن يكون بينها ترتب. والتسلسل في العلل ترتب معلول على علة وترتب علته على علة وعلة علته على علة، وهكذا إلى غير النهاية.
والتسلسل في العلل محال (1).
والبرهان عليه: أن وجود المعلول رابط بالنسبة إلى علته لا يقوم إلا بعلته، والعلة هو المستقل الذي يقومه كما تقدم (2). وإذا كانت علته معلولة لثالث وهكذا، كانت غير مستقلة بالنسبة إلى ما فوقها، فلو ذهبت السلسلة إلى غير النهاية ولم تنته إلى علة غير معلولة تكون مستقلة غير رابطة، لم يتحقق شئ من أجزاء السلسلة، لاستحالة وجود الرابط إلا مع مستقل.
برهان آخر: وهو المعروف ببرهان الوسط والطرف، أقامه الشيخ في الشفاء، حيث قال: (إذا فرضنا معلولا وفرضنا له علة ولعلته علة، فليس يمكن أن يكون لكل علة علة بغير نهاية، لأن المعلول وعلته وعلة علته إذا اعتبرت جملتها في القياس الذي لبعضها إلى بعض كانت علة العلة علة أولى مطلقة للآخرين، وكان للآخرين نسبة المعلولية إليها، وإن اختلفا في أن أحدهما معلول بالواسطة والآخر معلول بلا واسطة، ولم يكونا كذلك لا الأخير ولا المتوسط، لأن المتوسط الذي هو العلة المماسة للمعلول علة لشئ واحد فقط والمعلول ليس علة لشئ.
ولكل واحد من الثلاثة خاصية، فكانت خاصية الطرف المعلول أنه ليس علة