نهاية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٨٠
فالحق أن تعريفهما بما عرفا به تعريف لفظي يراد به التنبيه على معناهما وتمييزه من بين المعاني المخزونة عند النفس (1). فالواحد هو: (الذي لا ينقسم من حيث إنه لا ينقسم)، والتقييد بالحيثية ليندرج فيه الواحد غير الحقيقي الذي ينقسم من بعض الوجوه (2)، والكثير هو: (الذي ينقسم من حيث إنه ينقسم).
فقد تحصل أن الموجود ينقسم إلى الواحد والكثير، وهما معنيان متباينان تباين أحد القسمين للآخر.
تنبيه:
قالوا: (إن الوحدة تساوق الوجود) (3)، فكل موجود فهو واحد من جهة أنه موجود، حتى أن الكثرة الموجودة - من حيث هي موجودة - كثرة واحدة، كما يشهد بذلك عرض العدد لها والعدد مؤلف من آحاد، يقال: كثرة واحدة وكثرتان وكثرات ثلاث، وعشرة واحدة وعشرتان وعشرات ثلاث، وهكذا.
وربما يتوهم (4) أن انقسام الموجود إلى الواحد والكثير ينافي كون الواحد مساوقا للموجود، وذلك أن الكثير - من حيث هو كثير - موجود لمكان الانقسام المذكور، والكثير - من حيث هو الكثير - ليس بواحد، ينتج أن بعض الموجود ليس بواحد، وهو يناقض قولهم: (كل موجود فهو واحد).

(١) قال الشيخ الرئيس في الفصل الثالث من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء: (ثم يكون تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفا عقليا، وهنا لك نأخذ الوحدة متصورة بذاتها ومن أوائل التصور، ويكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيها). وتبعه في ذلك الفخر الرازي في المباحث المشرقية ج ١ ص ٨٤، وصدر المتألهين في الأسفار ج ٢ ص ٨٣.
(٢) هكذا قال صدر المتألهين في الأسفار ج ٢ ص ٨٣ - ٨٤، وشرحه للهداية الأثيرية ص ٢٢٥.
(٣) راجع النجاة ص ١٩٨، وكشف المراد ص ٩٩، وشوارق الالهام ص ١٦٩، وشرح المواقف ص ١٥١.
(4) هذا التوهم تعرض له صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 90 - 91، وتعليقاته على شرح حكمة الاشراق ص 192 - 193.
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست