مع الاشتراك في الدليل دليل على
بطلان الدليل) وإنما يندفع النقض إذا بين عدم جريان الدليل في صورة التخلف (وفيه) أي في هذا الرد (نظر فإن مآله) أي مآل ما ذكر من الفرق بين إرادة العبد وإرادة الباري (إلى تخصيص المرجح في قولنا ترجح فعله يحتاج إلى مرجح بالمرجح الحادث) فإن المرجح القديم المتعلق إذ لا بالفعل الحادث في وقت لا يحتاج إلى مرجح آخر فيصير الاستدلال هكذا أن نمكن العبد من الفعل والترك ونوقف الترجيح على مرجح وجب أن لا يكون ذلك المرجح منه وإلا كان حادثا محتاجا إلى مرجح آخر ولا يتسلسل بل ينتهي إلى مرجح قديم لا يكون من العبد ويجب الفعل معه فلا يكون العبد مستقلا فيه وأما فعل الباري فهو محتاج إلى مرجح قديم يتعلق في الأزل بالفعل الحادث في وقت معين وذلك المرجح القديم لا يحتاج إلى مرجح آخر فيكون تعالى مستقلا في الفعل وحينئذ لا يتجه النقض (ويتم الجواب) ولما كان القائل أن يقول إذا وجب الفعل مع ذلك المرجح القديم كان موجبا لا مختارا أشار إلى دفعه بقوله (وأما استلزام ذلك لوجوب الفعل منه فقد
عرفت جوابه) وهو أن الوجوب المترتب على الاختيار لا ينافيه بل يحققه فإن قلت نحن نقول اختيار العباد أيضا يوجب فعله وهذا الوجوب لا ينافي كونه قادرا مختارا قلت لا شك أن اختياره حادث وليس صادرا عنه باختياره وإلا نقلنا الكلام إلى ذلك الاختيار وتسلسل بل عن غيره فلا يكون هو مستقلا في فعله باختياره بخلاف إرادة الباري تعالى فإنها مستندة إلى ذاته فوجوب الفعل بها لا ينافي استقلاله في القدرة عليه لكن يتجه أن يقال استناد إرادته القديمة إلى ذاته بطريق الايجاب دون القدرة فإذ وجب الفعل بما أوليس اختياريا له تطرق إليه شائبة الايجاب
____________________
عرفت أن سياق الكلام على إرادة الداعي من المرجح في أصل الدليل فتأمل (قوله بل ينتهي إلى مرجح قديم) فيه بحث أن المراد بالمرجح القديم هو الإرادة القديمة كما دل عليه قوله فقد عرفت جوابه فلا نسلم السياق إذ قد تحققت باعترافه أن مبنى الكلام على وجوب الداعي في الفعل الاختياري (قوله بل عن غيره فلا يكون هو الخ) فيه بحث وهو أن انتفاء صدور المرجح عن العبد باختياره لا يستدعي صدوره عن غيره لجواز أن يكون صادرا عنه من غير اختياره بلا لزوم التسلسل وقولهم كل حادث مسبوق بالاختيار متفرع على أن لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى وإلا فالإحراق الحادث يستند إلى النار الحادث بالإيجاب وذلك ههنا أول المسألة اللهم إلا أن يبنى الكلام على اعتراف الخصم بصدوره عن غيره فتأمل (قوله تطرق إليه شائبة الايجاب) يعني فلا فرق حينئذ بين أفعال الله تعالى وأفعال العباد في الاضطرارية نعم بينهما فرق باعتبار أن الله تعالى مستقل في أفعال لصدور المرجح عنه والعبد ليس بمستقل في أفعاله لصدور المرجح عن غيره والحق أن الفعل وإن وجب بعد تعلق إرادته تعالى لكن لا يلزم الايجاب لأن التعلق أوليس بلازم لها بل هو مسبوق بتعلق آخر لا إلى نهاية كما مر مرارا وقد لا يسبقه تعلق آخر فلا يتعلق