الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ٥٦
ان يكون صدور الافعال منها لأغراض وغايات تعود إليها من فعلها ولم تكن حاصله قبل الفعل والا لم تكن تامه كامله الذات بل ناقصه مستفيدة الكمال من جهة معلولاتها وهذا ممتنع جدا فثبت انها لا يهمها في فعلها شئ ولا يدعوها داع ولا يتعرض على ذواتها ايثار طار ولا اراده زائده الا الاقتداء بالخير الأقصى والنور الأتم الاعلى.
واما الواحد الحق فليس فوقه غاية ينظر إليها في إفاضة الخير وبث الرحمة العامة ومع ذلك فانا نشاهد في موجودات هذا العالم واجزاء النظام وافراد الأكوان سيما في النبات والحيوان بل في كليات الأعيان من الأفلاك والأركان من حسن التدبير وجوده الترتيب ورعاية المصالح والمنافع وابداع القوى والأسباب الملائمة للأغراض الدافعة للآفات والمفسدات ما نقضي به آخر العجب ولا يسع لاحد ان ينكر الآثار العجيبة في جزئيات الأكوان فكيف في كلياتها كما سنذكر أنموذجا منها وتلك الجزئيات مثل مصالح ومنافع روعيت في بعض النباتات كالنخل والعنب وبعض الحيوانات العجم الحقيرة كالنحل والعنكبوت مما ليس يصدر ذلك على وجه الاتفاق من غير تدبير سابق وحكم مطابق ومصلحة مرعية وحكمه مرضيه.
فاذن يجب ان يعلم أن العناية كما مر هي كون (1) الأول تعالى عالما لذاته بما

(1) ملخصه كما سيصرح به ان العناية تجمع بمفهومها أمورا ثلاثة العلم والسببية والرضا ونقول في توضيح ذلك ان العناية والاعتناء بالشئ على ما نعقله من معناها هو ان يجتهد الفاعل في صدور أصل الفعل أو صدوره على غاية ما يمكن من خصوصيات الكمال من غير أن يصرفه عن أصل الفعل أو عن ايقاعه على غاية ما يمكنه من الكمال الاشتغال عنه بأمر أهم منه أو أحب أو أعظم أو نحو ذلك فان الاشتغال بأمور العظيمة الخطيرة يصرفنا عن الاهتمام بالأمور الحقيرة اليسيرة فنتساهل فيها بتركها من أصلها أو نسامح في بعض خصوصيات وجودها فلا نشتغل بها فإذا اجتهدنا في الحقير كما نجتهد في الخطير أو اجتهدنا في اصلاح شؤون الامر الحقير ورعاية مصالحه ورفع جزئيات حوائجه كما في الامر الخطير فتلك العناية.
والوجه في انصرافنا عن الأمور الحقيرة اليسيرة واشتغالنا بعظائمها هو ان لنا قريحة المقايسة بين الأشياء فإذا عرض لنا فعلان واجبان أحدهما أهم والاخر مهم فربما قايسنا بينهما وعددنا الأهم واجبا فكان المهم دون الواجب فسامحنا في امره وان كنا لو لم نقايس بينهما كانا جميعا واجبين واشتغلنا بالحقير كما نشتغل بالخطير وذلك لان كلا من الفعلين حينئذ يصير بارتفاع المقايسة معلوما لنا على ما هو عليه من الوجوب اي المعلولية لنا الملائمة لذواتنا وهذه هي العناية وقد اجتمع فيها العلم بالشئ والسببية له والملائمة لذات الفاعل وهو المراد برضى الفاعل به.
والله سبحانه له علم بكل شئ على ما هو عليه من غير أن يوهنه أو يغيره قياس ونحوه وهو السبب الاعلى لكل ذي سبب ومسبباته ملائمة لذاته فله عناية بالأشياء.
وقد ظهر لك بما بيناه ان العناية بحسب طبع معناه من صفات الفعل فان ملائمة فعله له من الصفات المنتزعة من مقام الفعل لكن بارجاع الملائمة المذكورة إلى حيثية ذاتية تعود من صفات الذات كما نقول هي كون الذات عالمه بالأشياء سببا لها بحيث يلائمها مسبباته ط مد ظله
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست