يوجد الحق الأول لا الان ولا قبله ولا بعده ومن ذهب إلى أن العالم موجود الان مع وجود الحق فهو مخطئ خطا عظيما فحيث الحق لا زمان ولا مكان ومحيط بالزمان والمكان وبسائر الموجودات فان سبق وجوده على شئ كسبقه على غيره فإنه سابق الوجود على وجود العالم كما أنه سابق الوجود على وجود صوره هذه الكلمات المسطورة في هذا الكتاب من غير فرق أصلا ومن فرق بينهما فهو بعد في مضيق الشبه ولم ينزه الحق عن الشبه ولم ينزه الحق عن الزمان كما لم ينزه عن المكان عند العوام الذين يزعمون أنه جسم مكاني كسائر المحسوسات وهذا الايمان بعيد عن الايمان الحقيقي الحاصل للعارف في أول سلوكه والله عز وجل سابق على الزمن الماضي حيث سبقه على الزمان المستقبل من غير فرق وهذا يقيني عند العارف والعلماء عاجزون عن ادراكه بالضرورة ولو لم يعجزوا لما قالوا إن العالم مساو في الوجود لوجود الحق الأول كما لم يقولوا ان صور هذه الحروف مثلا يساوى وجود الله المنزه عن هذه الظنون انتهى كلامه.
نقد وتحصيل اعلم أن القول بان العالم غير موجود مع الحق في مرتبه وجوده قول محصل لا شبهه فيه عند العلماء لكن الثابت بالبرهان والمعتضد بالكشف والعيان ان الحق موجود مع العالم ومع كل جزء من اجزاء العالم وكذا الحال في نسبه كل عله مقتضيه بالقياس إلى معلولها فالمعلول لأجل نقصه وامكانه غير موجود مع العلة في مرتبه ذاتها الكمالية ولكن العلة موجوده مع المعلول في مرتبه وجود المعلول من غير مزايلة عن وجودها الكمالي ومن أمعن في تحقيق هذه المسألة اوتى خيرا كثيرا والدليل على ما ذكرنا (1) قوله سبحانه هو معكم أينما كنتم وقوله وهو الذي في السماء