ويكون الواجب لذاته منفعلا عن معلوله المتحرك المتجدد الوجود انفعالا دائما وذلك محال وبابطال الإرادة الحادثة في ذات الواجب جل ذكره اندفع قول بعضهم ان للواجب لذاته إرادات حادثه غير متناهية لا إلى بداية ولم يزل الباري مؤثرا بتلك الإرادات الحادثة حتى حدثت اراده خاصه موجبه لحدوث هذا العالم ولا يلزم تسلسل الحوادث إلى غير النهاية ويكون العقول والنفوس والأجسام كلها حادثه.
ومن القائلين بحدوث الإرادة كأبي علي الجبائي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار الهمداني واتباعهم فإنهم يقولون بأنها قائمه لا في محل وهو ممتنع فان الإرادة إذا كانت عرضا فيحتاج إلى محل يقوم به فكيف يقوم بذاته الا ان يريدوا بالإرادة معنى آخر جوهريا فيكون من جمله العالم فالكلام في حدوثه عائد.
ومنهم من جعلها قديمه وقالوا بان الإرادة القديمة هي السبب في ايجاد العالم وانها وان كانت قديمه الا ان الله تعالى انما أراد احداث العالم في الوقت الذي حدث ولم يكن ارادته متعلقه باحداثه في وقت آخر غير الوقت الذي وجد فيه ولا يجوز ان يسال (1) عن لميه احداثه وسبب تخصيصه العالم بذلك الوقت دون غيره فان تلك الإرادة لذاتها وماهيتها تقتضى التخصيص بذلك الوقت والاحداث فيه ولوازم الماهيات لا ينبغي ان تعلل بأمر من الأمور غير ماهياتها التي هي ملزومات لها.
وأنت فقد عرفت ان الإرادة لا بد فيها من مرجح داع والأوقات كلها متشابهه وفي العدم الصريح لا يتفاوت شئ عن شئ ولا يتمايز معدوم عن معدوم ولا يتميز فيه حال يكون الأولى فيه ايجاد العالم وكل ما يفرض قبل العالم مما هو عله لوجوده من حدوث اراده أو وقت أو زوال مانع أو تعلق علم أو حصول مصلحه أو غير ذلك من الأحوال فان الكلام عائد في حدوثه واستدعائه لمرجح حادث كما كان الكلام جاريا في عله حدوث العالم نفسه وذلك يوجب تسلسل الحوادث إلى غير النهاية.