لا يتم حتى يصير يقينا دائما لا يزول الا ببرهان عقلي (1) فكل وجود ناقص لا يصير كاملا الا بما هو أقوى منه وهو علته ومديم ذاته ومحقق هويته فالهيولي لا يتم الا بصورتها والصورة لا تتم الا بمصورها والحس لا يتم الا بالنفس والنفس لا تتم الا بالعقل والعقل لا يبقى الا بواجب الوجود فاذن كل ناقص يتنفر عن نقصه وينزع منه إلى كماله ويتمسك به عند نيله فيكون كل شئ لا محاله عاشقا لكماله مشتاقا اليه عند فقده فالعشق حاصل للشئ دائما سواء في حال وجود كماله أو في حال فقد ذلك الكمال.
واما الاشتياق والميل فإنما يحصلان للشئ حال فقدان الكمال ولذلك كان العشق ساريا في جميع الموجودات والشوق غير سار في الجميع بل يختص بما يتصور في حقه الفقد ونحن قد بينا مرارا ان الحياة سارية في جميع الموجودات لسريان الوجود فيها لأنا بينا ان الوجود حقيقة واحده هي عين العلم والقدرة والحياة وكما لا يتصور موجود بدون طبيعة الوجود مطلقا فكذا لا يتصور موجود لا يكون له علم وفعل وكل ما يعلم ويفعل بأي وجه كانا فله حيوه فالكل اذن حي عند العرفا الا ان الجمهور إذا اطلق الحيوان فهموا منه ما له حس ظاهره وحركة إرادية من مكان إلى مكان.
فإذا ثبت ان كل موجود سواء كان بسيطا أو مركبا فله حيوه وشعور فلا محاله له عشق وشوق فإذا نظرت في الموجودات ودرجاتها في الوجود وتأملتها وجدتها اما كامله من كل وجه في نفس الامر أو ناقصه بوجه من الوجوه والكامل من كل وجه اما ان يكون كماله بنفسه مع قطع النظر عما هو ورائه حتى يكون نفسه وكماله شيئا واحدا من غير تغاير لا في الذات ولا في الاعتبار أو يكون كماله بما ورائه.
فالأول هو الواجب الوجود والثاني هو الذوات العقلية فهذا النمط من الموجود الكامل بقسميه غير منفك عن العشق والعشق عين ذاته اما الواجب فهو عاشق لذاته فحسب