وأما المعنى الصحيح لهذه الآية فهو أن هذا الوعد يتم في عهد ظهور الإمام الموعود محمد المهدي (عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام) كما يؤيده قوله سبحانه: " ليظهره على الدين كله "، ولا وجه للإنكار من هذا لأنه لم يظهر الإظهار الموعود على الدين كله أي على كل الأديان من زمان النبي (ص) إلى الآن.
ويؤيد ما قلنا ما في (الخازن) قوله تعالى " ليظهره على الدين كله " قال أبو هريرة، والضحاك:
ذلك عند نزول عيسى (ع) فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام (1).
وفي تفسير فتح البيان، وابن كثير، والصافي، والقمي: قيل ذلك عند نزول عيسى (ع) وخروج المهدي (ع) فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام، وتدل عليه بعض الأحاديث. وقيل: المراد ظهوره على الدين كله بالحجة والبيان. (وفيه ضعف) لأن هذا وعد بأنه تعالى سيفعله، وتقويته بالحجة والبرهان كان حاصلا من أول الأمور.
وفي جامع البيان، والخازن، وتفسير ابن جرير، والدر المنثور: نزلت آية (الاستخلاف) حين قالوا: " يا رسول الله (ص) أبد الدهر نحن خائفون، ما يأتي علينا يوم نضع السلاح "، كذا نقله محيي الدين، والشيخ عماد الدين (2).
أقول: فهذا تأييد لقول من قال: وجد هذا الوعد بعد فتح مكة (كما قال ابن كثير في تفسيره):
فقد فعله تبارك وتعالى، وله الحمد والمنة، فإنه (ص) لم يمت حتى فتح الله عليه مكة، وخيبر، والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بأكملها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، أهداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر، والإسكندرية (وهو المقوقس)، وملوك عمان، والنجاشي (ملك الحبشة) (3).
تنبيه أما وجه عدم قتال علي (ع) الخلفاء الثلاثة حين غصبوا الخلافة عنه، وخالفوا أمر النبي (ص) ووصيته، وصبره على المصائب فلوجوه:
منها: أمره (عليه السلام) بالصبر، كما في (كنز العمال): عن علي (ع) مرفوعا: " يا علي كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة، ورغبوا في الدنيا، وأكلوا التراث أكلا لما، وأحبوا المال حبا جما، واتخذوا دين الله دخلا، ومال الله دولا؟ " قلت: أتركهم وما اختاروا وأختار الله ورسوله، والدار الآخرة وأصبر على مصائب الدنيا، وبلواها حتى ألحق بك إن شاء الله، قال: صدقت، اللهم إفعل ذلك به، (رواه الثقفي في الأربعين) (4).
وفي الخصائص للسيوطي: (أخرج أبو نعيم عن جابر بن سمرة مرفوعا)، قال (ص) لعلي (ع):