بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك الحصول لا يفتقر إلى الإجماع من أهل الحل والعقد إذ لم يقم عليه (أي على هذا الافتقاد) دليل من العقل والسمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف في ثبوت الإمامة، ووجوب الاتباع للإمام على أهل الإسلام، وذلك لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا في عقد الإمامة بذلك كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد فضلا من إجماع الأمة من علماء الأمصار، ومجتهدي أقطارها. ولم ينكر عليه أحد (1).
ولما قبض رسول الله (ص)، واشتغل علي (ع) بتجهيزه وتكفينه ودفنه، واجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، وسمع الشيخان اجتماعهم انطلقا يتقاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر. (هكذا أخرج أحمد برواية حميد بن عبد الرحمن وذكر خطبة أبي بكر كذا في إزالة الخفاء) (2)، وفي رواية عمر: قال أبو بكر: ألا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين لي (لعمر) ولأبي عبيدة بن الجراح، ثم قال (عمر): قلت يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين: إن أولى الناس بأمر رسول الله (ص) من بعده ثاني اثنين. وقال أبو بكر لعمر: أنت أقوى، (كذا في إزالة الخفاء برواية البخاري وابن أبي شيبة).
في البخاري: قال أبو بكر فبايعوا عمرا، وأبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا، وأحبنا إلى رسول الله (ص) فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس (3). وفي (الفتح): وفي رواية ابن عباس عن عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته.
وفي تاريخ الخلفاء: وبرأيه (أي رأي عمر) في أبي بكر كان أول من بايعه (4).
وفي الصواعق: أخرج النسائي، وأبو يعلى، والحاكم، وصححه، عن ابن مسعود قال: لما قبض رسول الله (ص)، قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر بن الخطاب... الخ.
وفيه: إن الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر وقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فدفعهم أبو بكر بخبر " الأئمة من قريش "، ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة.
وفيه: إن عليا، والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة، وتخلفت الأنصار عنها بأجمعها في سقيفة بني ساعدة (5).
وفي البخاري: اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: " منا أمير:
ومنكم أمير " (6).
وفي الإمامة والسياسة: فلما قبض رسول الله (ص) قال العباس لعلي بن أبي طالب: أبسط يدك أبايعك فيقال عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله، ويبايعك أهل بيتك فإن هذا الأمر إذن كأن لم يقل (من الإقالة لا من القول) فقال له علي: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟