كما ألمعنا، وإنما هو أمر سرى إليه ممن قبله، وشاركه فيه من بعده، ولا شك أنهم لا يقصدون ما قد يفهمه غير الخاصة، من قصر معاني الآيات على موارد نزولها فإن العبرة - كما هي القاعدة المقررة - بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
- 3 - ومؤلف هذا الكتاب رجل بحاثة في مختلف العلوم، له تصانيف كثيرة تعد بالعشرات، ومنها ما هو في موضوعات مذهبية، شيعية.
ومما يلفت النظر أنه عنى بتفسير القرآن الكريم عناية خاصة، حتى جعلها أكبر همه، أعظم مجال لهمته، وقد كانت هذه العناية صادرة عن رغبة نفسية ملحة راودته منذ عهد الشباب، وريان العيش، كما يقول في مقدمة كتابه.
وكان كثير التشوق، شديد التشوف، إلى جمع كتاب في التفسير على طراز معين وصفه، وجعله هدفه، حتى هيأ الله له ذلك، وأعانه عليه، وقد ذرف على الستين، واشتعل الرأس منه شيبا، وناهيك برغبة تصاحب العمر، فلا تستطيع نوازع الشباب أن تنزعها، ولا مثبطات الكهولة والشيب أن تصرف عنها.
ثم ناهيك بمثل هذه الرغبة المتمكنة في نفس رجل علامة كهذا يتدبر وسائل تحقيقها عمرا طويلا ويتأتى لها ويتمرس بالتجارب العقلية، والوسائل العلمية حتى ينفذها في عنفوان فتوته العلمية، وقد استحصف عقله، واكتهل وعيه، وغزر محصوله، ووقف على الذروة من صرح العلم والفهم والبيان.
ولقد ذكر المؤرخون لسيرته أمرا عجبا، ذلك أنه ألف كتابه هذا المسمى " مجمع البيان "، جامعا فيه فرائد كتاب من قبله اسمه " التبيان " للشيخ محمد بن الحسن بن علي الطوسي، ولم يكن قد اطلع على تفسير الكشاف للزمخشري، فلما اطلع عليه