وفي مشكلاته كل برهان مبين، وهو بحمد الله للأديب عمدة، وللنحوي عدة، وللمقرئ بصيرة، وللناسك ذخيرة، وللمتكلم حجة، وللمحدث محجة، وللفقيه دلالة، وللواعظ آلة.
بهذه العبارات الواصفة الكاشفة قدم الإمام السعيد، أمين الإسلام أبو علي، الفضل بن الحسن الطبرسي، كتابه الجليل الذي هو نسيج وحده بين كتب التفسير الجامعة، ولم أجد أحسن من هذه العبارات في وصف هذا الكتاب، وبيان منهجه، فآثرت أن أفسح المجال لها، وأن أجعلها أول ما يطالع القارئ، ولم يكن ذلك إلا بعد أن تنقلت في رحاب الكتاب من موضع إلى موضع، واختبرت واقعه في كثير مما يعد من مزالق الأقدام، ومتائه الأفهام، ومضائق الأقلام، فوجدته كما وصفه صاحبه، وعلمت أنه لم يتكثر بما ليس فيه، ولم يعد إلا بما يوفيه.
ولقد قلت: أن هذا الكتاب نسيج وحده بين كتب التفسير، وذلك لأنه مع سعة بحوثه وعمقها، له خاصية في الترتيب والتبويب، والتنسيق والتهذيب، لم تعرف لكتب التفسير من قبله، ولا تكاد تعرف لكتب التفسير من بعده: فعهدنا بكتب التفسير الأولى أنها تجمع الروايات والآراء في المسائل المختلفة، وتسوقها عند الكلام على الآيات سوقا متشابكا ربما اختلط فيه فن بفن، فما يزال القارئ يكد نفسه في استخلاص ما يريد من هنا وهناك حتى يجتمع إليه ما تفرق، وربما وجد العناية ببعض النواحي واضحة إلى حد الاملال، والتقصير في بعض آخر واضحا إلى درجة الاخلال.
أما الذين جاؤوا بعد ذلك من المفسرين، فلئن كان بعضهم قد أطنبوا، وحققوا وهذبوا، وفصلوا وبوبوا، إن قليلا منهم أولئك الذين استطاعوا مع ذلك أن يحتفظوا لتفسيرهم بالجو القرآني الذي يشعر معه القارئ، بأنه يجول في مجالات متصلة