الأنصار ليبث في أمر القيادة في غياب الآخرين، ثم لحق بهم نفر من المهاجرين لينافسوهم، ويمنعوا القوة السياسية الأولى من الانفراد بالقيادة، ولم يعلم بالأمر أكبر وأهم قوة سياسية، ودينية آنذاك وهي: بنو هاشم، وآل بيت القائد المؤسس بعد أن انتهز هذا النفر القليل من المهاجرين والأنصار انشغالهم بتغسيل وتكفين الرسول القائد وتم ما تم دون إعلان الناس، وبغير انتظار لتهدأ مشاعر الأمة وقد حلت بها كارثة غياب رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام، القائد الذي لا يملأ فراغه أحد فالسياق العام الذي تمت فيه هذه البيعة التي حددت القائد بعد رسول الله لم يكن طبيعيا، ولا يمكن أن تستريح له أنفس الناس باحثين وغير باحثين.
ثم إن القوم لم يتفقوا بعضا، فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر (1) بل إن في رواية عمر نفسه ما يدل على أن بيعة أبي بكر (رض) تمت في ظروف غير طبيعية، وبطريقة غير طبيعية وذلك حين قال:
(فارتفعت الأصوات وكثر اللغط) أي أنه - كما رأينا - بعد عرض مرشح الأنصار للأسباب التي اعتقد على أساسها استحقاق حزبه بالقيادة، ثم عرض أبي بكر (رض) لأحقية المهاجرين بها.
لم تسفر هذه المداولات عن اتفاق الموجودين وهم نفر قليل من الأمة على شخص يتصدى للقيادة، بل ارتفعت الأصوات تتنازع، فانتهز عمر (رض) هذه الفرصة وحسم الأمر بالطريقة التي تحسم بها الصفقات والمزادات في الأسواق وهو ما أكسبته المهنة إياه إذ كلنا يعرف أنه (رض) كان سمسارا يعقد الصفقات في الأسواق، ومال معه المؤيدون لأبي بكر، ووجد الآخرون أنفسهم في مأزق، فبايع منهم من بايع، ورفض من رفض.