لقد كنت، وما أزال أجعل الخلق والمواهب ومقومات الشخصية أقيستي للعظمة الإنسانية، فما رأيت امرؤا - بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - جديرا أن يلحق بذيله أو يكون رديفه قبل أبي سلالته الخيرة المطهرة، ولست بهذا مدفوعا بحماس لمذهب أو تشيع، ولكنه الرأي الذي تنطق به حقائق التاريخ.
إنما الإمام هو الرجل " الأمثل ". عقمت عن مثيله الحقب والعصور حتى آخر الزمان. وعندما تستروح النفوس المستهدية أنباءه يشرق لها من كل نبأ شعاع، فإن هو إلا بشر صيغ - أو كاد أن يكون - من كمال ظاهر الحق لذات الحق دون مظاهرته للنتائج المترتبة عليه، ولا من أجل الجزاء عنه، وغالب الباطل إنكارا للباطل وحبا في تبرئة الإنسانية المتعالية التي يؤمن بها من أن تتهم بالصبر على ما يجافي الحق دون أن تنهض له، كان دوما يكره الشر منذ انتبهت عينه للحياة.. كرهه في الانتقاص من تفرد الله بالقدرة فأبى أن يعنو وجهه لأي من الأصنام التي عنت لها جباه قومه - وهو بعد طفل - لأنه رآها شرا ينال من قداسة الله في نفوس بني الإنسان... وكرهه في عدوان القوى الظالم على حرية الضعيف المظلوم، فناضل نضاله المشهود إبان البعثة عن رسول الله لتحق كلمة الله وتذيع شرعة الهداية الكفيلة باستنقاذ البشرية الضالة من حماة الآثام... كره الشر في الحسيات وفي المعنويات.
وغالبه في العقائد الفاسدة والنفوس المفسودة... حاربه في الفقر الذي يسترخص الأبدان والأرواح فأمن نفسه من غوائله بأن حصنها ضد الحاجة بالنسك والزهادة .. وفي الجبن الذي يذل القلوب فارتمى على الموت أينما ثقفه في كل موطن وحين حتى أدال دولته وهزم هيبته وغدا أسطورة الأساطير في شجاعة الشجعان وفي الجهل الذي يميت المشاعر فعب من نبع حكمة النبوة وتدبر القدرة الإلهية في آياتها القرآنية وآياتها الكونية، حتى صار لبني زمنه وما تلاه من أزمان - نبراسا للمعرفة ونورا للنهي والعقول ليس كمثله نور... كان الخير في نظره مطلوبا لذاته لا صفقة تجارية