فن من فنون المعارف بأطراف، حتى ليعسر على النخبة المختارة من ذوي الأقلام أن يأتوا بنظيرها إلا على حذر وبعد بحث مغرق طويل.
وأدع جانبا هذا العرض الدقيق الذي أودعه الكاتب لب كتابه، وهذا الرد الرشيق للنظيم والنثير، ثم انطلق وإياه في آفاقه التي أضاءها قلبه المشرق المستنير..
إنه ليستهدي التنزيل، ثم الحديث، ثم يقفي بعد هذا وذاك بنفحات الهداية التي حركت يراعات تلك الأجيال المتلاحقة من الرواة والشعراء والكتاب حتى يصل بنا إلى هذا الجيل... فإلى أي مدى استطاع أن يتخذهم جميعا جندا يدفعون جحافل الجحود والإنكار والافتراء عن " حديث الغدير "؟...
لقد وفق الرجل في كلا العرض والدفاع حتى فرت أمام حججه ذرائع المبطلين، ولم يكن في دفاعه مسوقا فحسب بفرط شغفه بالإمام، ولكنه كان أيضا كالحكم العدل، يزن في كفتين ثم يسجل لأيتهما كان الرجحان. ولعل نظرة عابرة يلقيها غير ذي الهوى على صفحات سفره - وخاصة تلك التي أفردها لسلاسل " الوضاعين والموضوعات " - كفيلة بأن تريه " الأميني " بحاثة أمينا، يتبع في استخلاص آرائه أدق أساليب البحث المنزه الصحيح.
إن حديث الغدير لا ريب حقيقة لا يعتورها باطل، بلجاء بيضاء كوضح النهار، وإنه لنفثة من نفثات الإلهام جاشت بها نفس الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لتقرر بها قدر ربيبه وصفيه وأخيه بين أمته وأصفيائه المجتبين. هو حجة لقدر الإمام " نقلية "، ولحقه الهضيم، لم يعوز " الأميني " إبرازها في سطور سفره وإحاطتها بسياج ثابت متين من الأسناد التاريخية المنيعة على أراجيف الأهواء.. ولمن شاء أن يخدشها - ظالما أو جاهلا - بفرية، أن يدلنا أين بين أولئكم الصحابة الأبرار من يسبق ابن أبي طالب حين تذكر المزايا والأقدار؟!