ثم ذكر نقيض كل تلك الأمور في الكتابة، حتى قال: وبذلك كله يكون نقلة العلم جهالا، مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا، وأعظم به سببا في ضياع العلم، وانتشار الجهل.
أقول: ليس هذا الكلام كله إلا مغالطة، فإن ما ذكره من الفوائد للحفظ ليست ملازمات له بالخصوص، دون الكتابة:
1 - فليس الحفظ ملازما للفهم:
بل، كثير مما يحفظ يبقى غير مفهوم، وكثير ممن يحفظ لا يفهم محفوظاته، كما أن كثيرا مما يفهم لم يكن محفوظا على الخاطر، وكثير ممن يفهم لا يحفظ!
والفهم أمر آخر، له أسبابه ومكوناته، بلا ارتباط له بالحفظ أو الكتابة، وإن كان أحدهما أو كلاهما مؤثرا في حصوله أو سرعته أحيانا.
بل، قد اشتهر بين أهل العلم - عندنا -: أن الحفاظ من الطلبة غير جيدي الذكاء أو غير سريعي الفهم، والذين يفهمون بجودة ضعيفو الذاكرة غالبا!
وقد نقل عن الحكماء قولهم: إن الفهم والحفظ لا يجتمعان على سبيل الكمال، لأن الفهم يستدعي مزيد رطوبة في الدماغ والحفظ يستدعي مزيد يبوسة فيه، والجمع بينهما على سبيل التساوي ممتنع عادة (1).