لم يكن علي عليه السلام، وأنس وأمثاله، يخفى عليهم ذلك الحكم، لفرض اتصالهم الوثيق بمصدر الشريعة، فكيف إذا علمنا أن هؤلاء من المصرين على إباحة التدوين؟ بل من المؤكدين عليه، والمزاولين له، بحيث أثرت عنهم كتب ومؤلفات، كما عرفنا في الفصل الرابع من القسم الأول.
ويدل إعراضهم عن إجراء عمر للمنع، على أن الصحابة المجوزين للتدوين لم يعيروا اهتماما لذلك الإجراء، ولم يعتبروه أمرا شرعيا مستندا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا لم يخالفوه، هكذا، علانية.
وليس لأحد أن يقول: إن مخالفة هؤلاء معارضة بموافقة مجموعة من الصحابة لإجراءات عمر، المانعة من التدوين؟!
لأنا نقول: إن الصحابة اختلفوا في أمر التدوين على فريقين، فمنهم من ترك الكتابة، ومنهم من فعلها أو أباحها لمن أقدم عليها، ولا يمكن تقديم الترك على الفعل، لأن دلالة الفعل نص، ودلالة الترك ظاهر، لأن الترك أعم من الحرمة، كما هو واضح، وتقديم النص على الظاهر واجب.
ونظرا إلى هذين الأمرين، يمكن القول - بالقطع - بأن إجراء المنع إنما كان رأيا شخصيا لعمر، ارتآه لغرض خاص به.
مع أن النصوص الناقلة لحديث منع عمر وأتباعه، تدل بنفسها على أن إقدامهم لم يكن مستندا إلى أصل شرعي، وإنما كان رأيا رأوه، حسب ما اعتبروه من المصلحة، فلنستعرض تلك النصوص: